أُسأَل في بعض الأحيان عن القرارات الصعبة التي كان عليَّ اتخاذها في مسيرتي، وكيف تعاملت معها؛ ولكنَّ أصعب القرارات كانت تلك التي اتُخِذت بحقي، وهي إقالتي من العمل.
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون “تايلور ريان” (Taylor Ryan)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته في الإقالة من العمل.
تقترب العديد من المهن الواعدة مع استمرار أحداث فيروس كورونا (كوفيد-19) من نهاية مفجعة، حيث تتمحور الأخبار الواردة من جميع أنحاء العالم حول اضطرار الشركات الكبرى والصغرى إلى إقالة الموظفين؛ وهذا ما كان أمراً صادماً جداً. لقد اكتسبتُ فائدةً كبيرةً جراء إقالتي من آخر أربع شركات وظفتني؛ وهذا صحيح، فقد أُقِلت أربع مرات في آخر أربع سنوات ونصف؛ لكن قبل أن تتسرعوا في الحكم علي، ينبغي أن أذكر أنَّني قد حققت أكثر من ذلك، وبلغت كل هدف ومعيار حددته منذ البداية.
انتقلت قبل أربع سنوات من واشنطن، ودخلت مجال الشركات الناشئة في كوبنهاغن في الدنمارك، حيث أحضرت معي أخلاقيات العمل والثقافة الأميركية؛ لكن بغض النظر عن أسباب فصلي، لا أعتقد أنَّه كان بسبب الأسلوب الذي كنت أتبعه أو المهارة التي أمتلكها أو النتائج التي كنت أقدِّمها.
الهدف من هذه المقالة هو أن أشارككم كيف تمكَّنت من النهوض بشكل أسرع وأقوى بعد انقطاعي عن العمل مراراً وتكراراً، وكيف يمكنكم فعل ذلك أيضاً:
أولاً- معرفة سبب إقالتك من العمل:
منحني هذا النوع من التغيير المفاجئ في معظم الحالات فرصة للتفكير في قدراتي وتهيئتها من جديد للعمل نحو إيجاد تطور بنَّاء، حيث يعدُّ التفكير الذاتي بعد ترك الوظيفة أمراً هاماً للغاية؛ فحتى لو لم تكن معجباً بمديرك أو مشرفك السابق، إلَّا أنَّهم دائماً ما يكونون صائبين في قراراتهم، وإنَّه من المفيد لك أن تنظر إلى الأمر من وجهة نظرهم.
لقد كنت أطلب دائماً عقد اجتماع بعد يوم أو يومين من توقيعي على أوراق إنهاء الخدمة حتى أتمكَّن من جمع أفكاري، كما حاولت دوماً تحديد موعد للقاء مشرفي؛ إذ من المرجح أن يمنحك هؤلاء بعض الوقت إذا لم تكن قد سببت الكثير من المشكلات.
ما الحاجة إلى اجتماع بعد الطرد من العمل؟
- لكي تعرف جميع حيثيات قرار فصلك من العمل:
ستسترجع في الكثير من الحالات ذكريات آخر محادثة قمت بها مراراً وتكراراً في رأسك؛ لذلك دوِّن ملاحظات عن السبب الذي أدى إلى هذا القرار.
- لكي تحصل على السبب مباشرة:
احرص على معرفة السبب المباشر الذي أدى إلى طردك إذا كنت ستعتمد على ربِّ العمل الأخير كمرجعية؛ فالمسؤولون عن العمل لديهم علم بقصة طردك من العمل، وسيوافقون على شرح الجانب الإيجابي لقدراتك حين يُسأَلون عنها.
- لكي تحصل على توقعات بشأن المستقبل:
إنَّه لمن الممكن أن تسأل عن إمكانية الحصول على المستندات أو الملفات التي تريدها، فربَّما كان هناك بعض اتصالات البريد الإلكتروني التي أجريتها؛ ولا بأس من أن تسأل عنها، فأسوأ ما يمكن أن يحصل هو الرفض. فيما يأتي بعض الاعتبارات الإضافية في أثناء اجتماع ما بعد الطرد:
الموضوعية: يمكن لاتباع طريقة موضوعية للتفكير في أسباب الطرد من خلال تبنِّي وجهة نظرهم، أن يُسهِّل عليك أي عناءٍ أنت في غنىً عنه.
إضافة طابع إنساني: فكِّر في الشخص الذي طردك باعتباره إنساناً معرضاً إلى الخطأ تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى بقية البشر، وافترض دوماً أنَّ قراره يستند إلى العقل أو الإنصاف.
معرفة إن كان الأمر خارجاً عن السيطرة: إذا كان الطرد لأسباب اقتصادية فحسب، فكن مطمئناً إلى أنَّه حدث دون أي خطأ من قِبَلك.
معرفة أي جوانب الأخرى: فكر في الظروف التي أدت إلى طردك قبل المضي قدماً؛ فهل يوافق الزملاء على القرار؟ وهل يوافق أيُّ شخصٍ غريبٍ عليه؟ وهل سيُحدِث ذلك أي فارق؟
ثانياً- إجراءات ما بعد الفصل من الوظيفة:
من أجل المضي قدماً بسرعة في أثناء التقدم كفرد وكشخص في مهنتك، أنصح بالتفكير في المواضيع التالية (اكتب بعض النقاط عنها):
- أهم ثلاثة أسباب وراء الطرد، ولتكن (أ، ب، ت).
- أهم ثلاثة أشياء كان بإمكانك فعلها لتجنُّب هذه الأشياء، ولتكن (س، ع، ص).
- أهم ثلاثة أشياء يمكنك تعلُّمها للتغلب على (س، ع، ص)، وتجنُّب (أ، ب، ت)؛ ولتكن (1، 2، 3).
إذا لم تتمكن من تغيير أي شيء، فأنت على وشك المضي قدماً؛ وإذا كان بإمكانك تحسين شيء ما، فقم بذلك؛ فقد يشكل هذا أساساً في طريقك للمضي قدماً. إنَّه لمن الهام أيضاً أن تمنح نفسك فترة زمنية منطقية مع وضع تاريخ أو وقت انتهاء محدد للتوقف عن الشعور بالأسف حيال طردك؛ ففي آخر مرة أُقِلتُ فيها من عملي، منحت نفسي ما يقارب الساعة لأشعر بالحزن على نفسي؛ وفي المرة الأولى التي جرى فيها فصلي من العمل، أعطيت نفسي ثلاثة أيام لأشعر بالحزن.
لا بأس أن تتبنَّى كل الأفكار السلبية خلال هذا الوقت؛ ولكن بمجرد انتهاء الحد الزمني الذي وضعته مسبقاً، هيئ عقلك للدخول في حالة من التركيز على الخطوات التالية، وحارب الرغبة في إثارة الأفكار السلبية أو التفكير فيها؛ فهي لن تخدمك، ولن تغير من الحقيقة شيئاً.
ثالثاً- وضع قائمة مهام:
تكمن الخطوة الأولى للمضي قدماً في بدء أي شيء كان؛ فكلَّما قلَّ الوقت الذي تقضيه في التفكير في الأحداث بين يومك الأخير في العمل والعودة مجدداً إلى رحلتك، كان التعافي أسهل بكثير. لذا ركز على إكمال قائمة المهام خاصتك، وانخرط في أي نشاط بسيط وقابل للقياس، ومارس الأشياء الثلاثة التي تعلمتها من النقاط السابقة.
حتى إذا كنت غير مقتنع بأسباب طردك المفاجئ، فما تزال هذه النقاط صالحة إلى حدٍّ ما؛ لذا ضع جدولاً زمنياً تنظم فيه ساعات العمل، وابدأ العمل من خلال قائمة المهام خاصتك. اعتماداً على الظروف التي تمر بها، قد تشعر أنَّه من الضروري العمل على التحسين الذاتي؛ لذلك ابحث عن الدورات والكتب التي قد تساعد في تزويدك بالأفكار والمهارات التي تحتاجها لتأخذك إلى المستوى التالي، وفكر في التأمل إذا لم تقم به مسبقاً؛ فالعقل الخالي البال يكون جاهزاً دوماً لمواجهة التحديات الجديدة.
سترغب من هذه النقطة بالطبع في التفكير في تحقيق الدخل، والعثور على وظيفة جديدة؛ لذلك، اقضِ بعض الوقت في تحديث سيرتك الذاتية، وفكر في أثناء وجودك على مواقع التواصل الاجتماعي في التواصل مع زملائك؛ فربَّما يعلن شخص ما تعرفه في مجال عملك عن وظيفة أحلامك.
لا تنسَ أبداً طلب الوظيفة في نهاية الاجتماع، وعرض تقديم المساعدة بشكل عام؛ إذ إنِّني أحاول دائماً أن أسال الناس كيف يمكنني مساعدتهم على حسن التدبير؛ لذا أنشئ قائمة بفرص العمل، واحرص على تحديثها مع تقدم محادثاتك.
رابعاً- كن سباقاً من حيث البقاء إيجابياً:
قد تعثر على وظيفة جديدة بسرعة، أو قد يستغرق ذلك بعض الوقت؛ لكن ماذا تفعل إن استمرت الأفكار السلبية في العبث بعقلك؟ أعِد توظيفها في شيءٍ بَنَّاء، فمثلاً: تستدعي فكرة “أنا لست جيداً بما يكفي” حضور برنامج تعليمي على يوتيوب، وتعلم مهارة جديدة. تستدعي فكرة “لن يوظفني أحد” التقدم لثلاث وظائف جديدة على الأقل. تستدعي فكرة “لا أحد يحبني” قراءة فصل من أحد كتب تحسين الذات. تستدعي فكرة “ليس لدي شبكة علاقات” الذهاب إلى حدث واحد في الأسبوع (ولو كان افتراضياً)، ومقابلة ثلاثة أشخاص على الأقل
ماذا جنيتُ من فقدان عملي؟
لقد استخدمت كل تجاربي السلبية كقوة دافعة وطاقة للمضي قدماً، وبذلت قصارى جهدي في العمل على تحديد مواعيد الاجتماعات والمقابلات، لذا يمكنك فعل ذلك أيضاً. لقد أذعنت بعد إقالتي الأخيرة إلى رغبتي في إدارة شركتي الخاصة مرة أخرى بدلاً من الإذعان للآخرين، فجاء فن الخطابة في المقام الأول، وتلقيت الكثير من المحادثات والعروض في اللقاءات والخطابات الأساسية والمحاضرات.
عندما أتحدث عن أعمالي السابقة، ينتابني شعور من الفرح حول فقدان وظيفتي؛ كما أنَّني أغتنم الفرصة لأذكر أيضاً كوني أبحث عن عملاء واستثمارات جديدة؛ فقد عملت في النهاية على مشروع عملٍ يخصني، وبدأت شركة ناشئة للمهندسين المعماريين.
لا يعني فقدان وظيفتك فقدان هويتك؛ لذلك لا تنظر إليهما وكأنَّهما شيء واحد أبداً؛ وتذكر أنَّ البطالة شيء مؤقت، وأنَّ الأمور تتحسن دائماً عندما تكون شخصاً بنَّاء.
يجب أن يكون إعداد قائمة المهام والالتزام بها هو هدفك في الوقت الحالي؛ ومهما كان الأمر، لا تغذِّ الأفكار السلبية، بل استخدم أي ميول سلبية تظهر كحافزٍ لإنجاز المزيد، ولا تخف أبداً من طلب المساعدة، وافعل ذلك وامضِ قدماً؛ فقد سبقتك إلى ذلك.