يقول الخبير في الموارد البشرية ستيفن غرانت: “إذا تحكمت في خطئك، فهذا هو بداية الحل!”.
الأخطاء جزء من الطبيعة البشرية، فالإنسان بطبعه خطَّاء، وما من أحد منا معصوم عن الوقوع في الخطأ، وعندما تكون هذه الأخطاء أخطاءً شخصية، فضررها يعود على صاحبها، أما عندما تكون مهنية أي تتعلق بالعمل، فضررها يتجاوز صاحبها إلى الآخرين (زملائه ومديريه)، وممكن أن يصل الضرر إلى بنية المجتمع؛ لذا كان لِزاماً علينا الانتباه إلى أخطائنا في العمل، ومعرفة كيفية التعامل معها، وكيفية تجنبها.
من الأمثلة عن الأخطاء في العمل: نسيان موعد مهم أو اجتماع مهم، أو التأخر في تقديم أمر مستعجل، أو الردود غير اللائقة، أو الخطأ في أداء مهمة مطلوبة، أو الخطأ في فاتورة ما وإلحاق الضرر بالشركة، وغيرها من الأخطاء.
فن التعامل مع أخطاء العمل:
عندما نرتكب خطأً ما، لا ينبغي التصرف بعشوائية وسذاجة، فالتعامل مع الأخطاء فنٌ ينجح من أتقنه؛ لذا فإنَّ هناك أصولاً وقواعد يجب اتباعها عند الخطأ، وهي:
- الاعتراف بالخطأ والاعتذار:
كما يُقال “الاعتراف بالخطأ فضيلة”؛ لذا فأهم وأول خطوة في التعامل مع الخطأ، هي أن نعترف بالخطأ وبمسؤوليتنا عنه، وأن نعتذر من الآخرين، فنُكران الخطأ يزيد الطين بلة، ويُفقدنا ثقة الآخرين بنا، والاعتذار وسيلة لامتصاص غضب المدير أو من أخطأنا بحقه، وممكن أن يُنجينا من العقوبة أو يخففها.
قد يرى بعض الناس أنَّ الاعتذار أمرٌ صعبٌ، ولكن مع ذلك يجب على هؤلاء أن يكونوا أكثر مرونة، ويُدركوا أنَّه ضروري لبيان احترام النفس والعمل.
- محاولة معالجة الخطأ:
إن كان بالإمكان معالجة الخطأ، يجب أن نبدأ بذلك على الفور، ومحاولة إنقاذ ما يُمكن إنقاذه.
- أن نعرف سبب الخطأ:
لا يكفي أن نُعالج الخطأ وننساه، من المُفيد أن نعرف سبب الخطأ، ولماذا وقعنا فيه؟ هل السبب هو عدم انتباه، أو قلة النوم، أو الانفعال الزائد، أو نقص في معارفنا وفهمنا العمل، أياً كان سبب الخطأ يجب معرفته، ومحاولة تلافيه، لتجنب تكراره.
- أن نتعلم من أخطائنا:
ليس العيب أن نُخطئ، ولكن العيب أن نكرر الخطأ ولا نتعلم منه، فالأخطاء فرص للتعلم، واستخلاص الدروس، يَلفت الخطأ نظرنا إلى أمور لم نكن نراها في أنفسنا، وقد تكون عيوباً، يجب علينا معالجتها؛ لذلك بعد كل خطأ نقع فيه، من المفيد أن نجلس مع أنفسنا ونفكر في الدرس الذي تعلمناه منه.
- نقبل العقوبة:
قد نكون قد ارتكبنا خطأً كبيراً لا يغفره اعتذار، وقد تُقرر الإدارة مُعاقبتَنا، كالحسم من الراتب أو حرمان من المكافأة أو تغيير مكان العمل، لذا يجب أن نتقبل العقوبة، ونعلم أنَّنا أخطأنا ويجب أن ندفع ثمن أخطائنا.
- نبذل المزيد من الجهد:
من المفيد أن نبذل مزيداً من الجهود في العمل بعد ارتكابنا خطأ ما، وذلك لتلافي أي تقصير كان سبباً في الخطأ، ولإشعار المسؤولين عنا أنَّنا نشعر بالذنب، وأنَّنا أصبحنا أكثر حرصاً والتزاماً.
- نطلب من المدير تقييماً:
بعد فترة من وقوع الخطأ، ومُحاولتنا الانتباه لعدم تكرار الأخطاء، نطلب من المدير أن يقيِّم أداءانا، إن كان هناك أي ملاحظات يجب تداركها، وبطلبنا هذا يشعر المدير أنَّنا مهتمون، وأنَّنا نسعى إلى تحسين أنفسنا.
أخطاء يجب تجنبها في العمل:
- الكذب:
لا يجب أن نجعل الكذب أسلوباً نُخفي به أخطائنا أو نقاط ضعفنا في العمل، أو وسيلة للتهرب من مسؤولياتنا، لأنَّ خطأ الكذب سيفتح لنا باباً من المشكلات والأخطاء لن نعرف كيف نغلقه.
- الثرثرة:
يجب أن تبقى في رأسنا فكرة أنَّ مكان العمل للعمل، وليس للتسلية، والحديث في الأمور الشخصية، والقيل والقال، ويجب أيضاً ألَّا نغتاب أحداً، أو نحاول تشويه صورته لكسب حب الإدارة، كل هذه السلوكيات أخطاء يجب تجنبها.
- الغرور والتكبر:
الغرور من الأخطاء القاتلة في العمل، فالمغرور لا يتعلم، لأنَّه يرى نفسه أفهم من الجميع، ولن يتنازل لأحد كي يعلِّمه، كما أنَّه لا يعترف بخطئه عندما يُخطئ، وقد يُكرر الخطأ ليُثبت للآخرين أنَّه على حق، ممَّا يُفقده محبة الآخرين ويجعله لا يتحسَّن في عمله.
- التباهي:
من الأخطاء التي يجب تجنبها، أن نتباهى بإنجازاتنا، وكأنَّنا أفضل من يعمل في الشركة، التصرف السليم ترك تقييم إنجازنا لمن هو مسؤول عنا، ومن الجميل أيضاً أن نُثني ونمدح إنجازات غيرنا ونُبارك لهم نجاحاتهم.
- إلقاء التهم على الآخرين:
أن نُخطئ ونرمي الخطأ على الآخر، أمر غير أخلاقي، ويُفقدنا مصداقياتنا، ومحبة الآخرين لنا.
- التذمر:
يقضي بعض الموظفين أوقاتهم في التذمر من العمل، أو يشتكون أموراً لا تعجبهم في العمل، وهذا أحد الأخطاء، لأنَّه يُعطي انطباعاً سيئاً عنا، فبدلاً من الشكوى والتذمر، يجب تقديم الاقتراحات والحلول لمعالجة الأمور غير المُرضية في العمل.
- الحسد:
وهو من أخطر الأخطاء التي يرتكبها الموظف، إذ يبدأ بالتركيز على الآخرين وعلى ما يحصلون عليه من ترقيات ومكافآت، وينسى أن يُركز على عمله وتحسين مهاراته، ويُصبح شغله الشاغل الذهاب إلى المدير والاعتراض “لمَ حصل فُلان على مكافأة ولم أحصل عليها أنا؟!”، فبخلاف ذلك يجب أن تكون يكون الموضوع، فيجب أن نجد التحفيز في ترقية زميلنا في العمل، ويجب أن نفكر ونسأل أنفسنا: “ماذا ينقصنا حتى لم نحصل على مكافأة؟”، ثم نحاول ترميم ما ينقصنا.
- التسلق:
من أبشع ما قد يقع فيه الموظف، طمعاً بالترقية أو المكافأة، أن يلجأ للتسلق واستغلال الآخرين، فيسرق أفكارهم ويُنسبها لنفسه، ويتقرب من الإدارة، لكنَّه بهذا السلوك يخسر احترام الآخرين ويضر بسمعته المهنية.
- المُبالغة في حمل الأعباء:
بقوم بعض الموظفين بتحميل أنفسهم فوق طاقتهم، فيُبادروا إلى قبول الكثير من المهام والأعمال بهدف كسب محبة المدير وإظهار اندفاع للعمل، لكنَّهم سرعان ما يقعون في الأخطاء والتقصير في أعبائهم التي لا تعد ولا تُحصى.
- النسيان:
إيقاع الحياة السريع الذي نعيشه اليوم، وكثرة ضغوطها، غالباً ما يجعلاننا ننسى أو نسهو؛ لذا يُنصح باستخدام دفتر صغير، ندون عليه مهامنا لكل يوم، من بدايته حتى نهايته، ونُراجعه باستمرار لتفقد إذا كنا قد نسينا أمراً ما.
- لغة التهديد:
من الأخطاء التي يرتكبها بعض الموظفين، تهديد الإدارة بترك العمل، أو القول بأنَّ هناك الكثير من الشركات التي تطلبهم وهو يرفضون، هذا تصرف غير مهني وغير لائق؛ فعندما يُزعجنا أمر ما في عملنا، يجب أن نذهب ونُناقشه مع المسؤول بكل احترام ومهنية، ولا نلجأ لأساليب غير مهنية كالتهديد والوعيد بترك العمل.
نصائح لتجنب الوقوع في أخطاء في العمل:
فيما يلي بعض النصائح، التي تُفيد في تجنب الأخطاء في العمل:
- اضبط أعصابك:
من أهم النصائح عند ارتكاب خطأ ما، هي ضبط الأعصاب، وعدم التوتر، فالموظف غير القادر على ضبط انفعالاته، والذي يبدأ بالصراخ -وإن كانت امرأة تبدأ بالبكاء- يُعاني من عدم استقرار نفسي وعاطفي، وهذا ما يضر صورته عند الإدارة؛ لذا علينا أن نُحافظ على هدوئنا، والتركيز على ماذا حصل، وكيف يمكن إصلاحه؛ لأنَّ القلق سيزيد الموقف سوءاً، ولن يترك لنا مجالاً للتفكير في معالجة الأمر.
- لا تُجادل وأنت مُخطئ:
يلجأ بعض الناس للمُجادلة واختلاق المسوِّغات عندما يخطئون، ظناً منهم أنَّهم بذلك يُصلحون الموقف، وهذا اعتقاد خاطئ؛ فعندما نُخطئ بدون وجود سبب خارج عن إرادتنا يجب أن نعترف ولا نُجادل كثيراً، ونسمع ملاحظات المسؤول عنا بكل احترام وإنصات.
- لا تستعجل الحل:
عندما نقع في خطأ ما، يجب ألا نستعجل الحل، ونأتي بحلٍّ يزيد الوضع سوءاً، بدلاً من إصلاحه؛ لذا يجب التريث قدر الإمكان، والتفكير بتروٍّ، للوصول إلى أنسب حلٍ.
- افهم عملك بدقة:
من أهم الأمور التي تحمينا من الوقوع في الأخطاء في العمل، أن نفهم تماماً مهامنا، وكيف تُنجز بدقة، ولا نترك ثغرة يُمكن أن نقع فيها وتجعلنا نخطئ في مهامنا.
- أبعد مشكلات البيت عن عملك:
كثير منا يأتي العمل ورأسه مُثقلة بهموم البيت ومشكلاته، ممَّا يؤثر في تركيزه على العمل، ويجعله شخصاً مزاجياً ينفعل لأصغر الأسباب، ويبدأ يُخطئ في المهام المطلوبة منه، وفي علاقته مع مديريه وزملائه؛ لذا من الأهمية بمكان فصل الحياة الشخصية عن العمل؛ وذلك بأن نترك أمور البيت في البيت، ولا نصطحبها معنا إلى العمل.
- ابتعد عن المُبالغة في الاعتذار:
أن نعتذر عندما يكون الخطأ يستوجب الاعتذار، ولا نعتذر بدون سبب أو عندما لا يكون لنا ذنب، لأنَّ الاعتذار المُبالغ فيه قد يراه الآخرون ضعفاً أو عدم ثقة بالنفس وقد يستغلون هذا الأمر، ممَّا يوقعنا في مشكلات نحن في غنى عنها.
- لا تقبل بكل ما يُقال لك:
لتجنب الأخطاء يجب ألا نقول “نعم” لكل شيء يُقال لنا، وخاصة إن كان غير مُناسب لنا، يجب أن يكون لنا شخصية مُستقلة، ونقول رأينا عندما نشعر أنَّنا غير مقتنعين أو غير راضين، شرط أن يكون اعتراضنا بوجه حق.
- لا تجلُد ذاتك:
عندما نُخطئ يجب الشعور والاعتراف بالخطأ وتحمله؛ ولكن أن ننتبه ألا نقع في دوامة تأنيب الضمير ولوم أنفسنا طول الوقت، أو أن نكلم أنفسنا كلاماً سلبياً ونعتقد أنَّنا أشخاص مخفقون، يجب أن نتذكر ألَّا أحد معصوم عن الخطأ، وبدلاً من إضاعة الوقت في جلد ذواتنا، الأجدى بنا أن نفكر في تصحيح الخطأ، وفي الدرس الذي تعلمناه.
أخيراً، من لا يُخطئ لا يتعلم:
لقد أثبتت تجربة الإنسان على مر العصور، أنَّ الناجحين هم من يعترفون بأخطائهم ويحاولون تلافيها وعدم تكرارها، أما من يُنكرها فمصيره الإخفاق، لأنَّه سيُكرر الأخطاء نفسها. لكل شيء جانب إيجابي، انظر إلى الخطأ بوصفه فرصة، فرصة للتعلم، فمن لا يُخطئ لا يتعلم، والأهم هو اعترافنا به، وإصرارنا على معرفة أسبابه وتصحيحه، وتحسين أنفسنا بما لا يسمح لهذا الخطأ أن يتكرر.
وكما يُردد قادة العمل الإداري دوماً: “يجب على الإنسان أن يكون ناضجاً بما يكفي ليقر بأخطائه، وذكياً بما يكفي ليتعلم منها، وشجاعاً بما يكفي ليُصححها”.