الرئيسيةتطوير مهنيالتمهّن و كيفية الإستفادة منه في العمل

بعد أن أنهيْتُ المرحلة الثانوية ببضعة شهور، قررَتْ والدتي أن ترسلني إلى مُصفِّف شعر مشهور يعمل في حيِّنا لأتعلم منه مهنة تصفيف الشعر، إذ كانت تعتقد بأنَّني سأحب فنَّ العناية بالجمال، وأنَّه سيكون لي مهنةً أعمل فيها إلى جانب أي عملٍ آخر أمارسه.

ملاحظة: هذا المقال مترجم للكوتش “مارغريت اولاتونبوسن”.

لقد كان حلماً رائعاً: أن أدرس الصحافة في الجامعة، وأن أعمل صحفياً بعد التخرّج، وأن أتَّخذ من مهنة التصفيف عملاً إضافياً، وكان السبيل إلى تحقيق هذا الحلم هو برنامج التمهُّن.

سنعرف في هذه المقالة ما هو التمهُّن فعلاً وكيف تستطيع الاستفادة منه في حياتك المهنية.

ما هو التمهُّن؟

التمهُّن هو عملٌ يتيح لك جنيَ المال في أثناء التدرُّب على اكتساب المهارات التي تحتاج إليها في عملك. وقد يكون التمهُّن، أو التخصص المهني، أو التعليم المهني –سمِّهِ ما شئت– التذكرة التي تخوِّلك الحصول على وظيفة أحلامك. وهو لا يتيح لك العمل في المهنة التي تحلم بها فقط، بل يجعلك تكسب المال فعلاً في أثناء التدرّب على العمل، واتخاذ قرار بشأن إذا ما كان هذا العمل هو العمل المناسب لك، دون الحاجة إلى إنفاق آلاف الدولارات مثلما يحصل عادةً على الدراسة في الجامعات التقليدية.

التمهن (Apprenticeships) والتدريب الداخلي (Internships):

يُعَدُّ التدريب الداخلي قريباً من التمهُّن لكنَّه مختلفٌ عنه، ففي الوقت الذي يُتَّخذُ التدريب الداخلي عادةً طريقةً لتطبيق المعلومات التي تلقيتها في الكلية قبل أن تُعيَّن في وظيفةٍ ما، يُعَدُّ الشخص الذي يمارس التمهُّن موظفاً بالفعل، فهو يحصل على المال ويتعلم، وهذا يعني أنَّك ستكون أقل عُرضةً لخطر تراكم القروض الدراسية أو النفقات المرتبطة بالجامعة قبل أن تكتشف لاحقاً أنَّ معالم الطريق المهني الذي اخترته ليست واضحة.

يمنحك التمهن أيضاً خبراتٍ عمليةً حقيقية على المدى البعيد مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمعلومات التي تتلقاها في الفصل. ويُعَدُّ هذا النوع من التدريب منظماً للغاية، وحينما تنتهي من التعلّم سيكون الحصول على وظيفة بدوام كامل مضموناً تقريباً.

في المقابل يُعَدُّ التدريب الداخلي ذو طبيعةٍ قصيرة المدى، وعلى الرغم من أنَّك ستكتسب بعد الانتهاء من التدريب مهاراتٍ تبقى معك طول الحياة إلَّا أنَّها لا تضمن لك دائماً تلقي عروض للعمل.

بعض التدريبات الداخلية تكون غير مأجورة أو ربما يعطونك تعويضاً عن المدة التي قضيتها في التدريب، لكنَّ فترات التمهُّن بسبب الأجواء التنافسية التي تسود فيها فإنّها تشبه الوظائف العادية، حيث يُمنَح المتدربون في برامج التمهن أموالاً أكثر من التي يحصلون عليها في التدريب الداخلي، وبعض البرامج تجذب إليها مرشحين بارزين من خلال منحهم مجموعةً من الميزات تتضمن تأميناً صحياً، وإجازاتٍ مدفوعة الأجر، ورواتب تقاعدية.

معتقدات خاطئة عن التمهن:

ليس سراً أنَّ تعلُّم أنّ العمل عن طريق التمهُّن لم يَعُدْ شائعاً مثلما كان من قبل. في السابق، لقد كان العمل متمهّناً (صانعاً) في بعض المهن هو الطريقة الوحيدة لنقل المعلومات والمهارات إلى الأجيال القادمة، مع عدم وجود الكثير من الكليات التي تقدم دوراتٍ موثوقة. ومهنٌ مثل بناء السفن، والنجارة، ولِحَام المعادن، والسباكة، والصناعات النسيجية لها تاريخٌ يعود إلى الفترة التي كان ينتشر فيها تعلم المهن عن طريق التمهّن. ومن المذهل أن نرى اليوم عودة هذه البرامج والدروس لكن بشكلٍ أكثر تطوراً. لكن ثمَّة لسوء الحظ عقبات تقف في طريق استعادة التمهُّن مجده القديم مثل:

العلاقة بين المتمهن ومعلمه علاقة عبودية:

حينما تُذْكَر كلمة متمهِّن –أو صانع–، فإنّ أوَّل صورةٍ تقفز إلى الأذهان صورة شخصٍ بائسٍ وممتعض يُجبَر على الغسل، والتنظيف، والطهو، والقيام بالأعمال المنزلية مقابل أن يعلِّمه الأستاذ المهارات التي يعرفها.

تُسجَّل العديد من برامج التمهُّن وتخضع للمراقبة لضمان سلامة المتدربين، والخوف من التعرض للاستغلال خوفٌ لا مبرر له. إضافةً إلى أنَّ قوانين العمل تُتَّبَع وتُحتَرَم ويمكنك تقديم شكوى إذا انتُهِك أي حقٍّ من حقوقك.

المتمهِّنون (الصانعون) أشخاصٌ غير مثقفون:

لا زلنا نسمع دائماً من يقول أنَّ المتمهِّنين (الصُنَّاع) يُرسلَون إلى محلاتٍ تشبه الكهوف، حيث يستخدم المعلمون أساليب وحشية لتعليمهم المهارات المتعلقة بالوظيفة.

إنَّ برامج التمهن اليوم هي برامج مُعترَف بها قانونياً وثمَّة وكالات تنظّم انعقادها. بعض البرامج ليست فقط أكثر حذراً من أعرق الجامعات في انتقاء المتدربين، بل تقدم دورات التمهن مجاناً أيضاً، وبعد قبول المتقدمين إلى البرنامج وتخرجهم من الدورة، يمكنهم المتابعة للحصول على شهادة جامعية أو درجة بكالوريوس عبر الشراكات التي يعقدها منظمو دورات التمهن مع الجامعات.

تُوفّر لك برامج التمهن طريقاً بديلاً لطريق التعليم الجامعي يمكن أن يسلكه المهتمون بجميع مجالات العمل، فهي على سبيل المثال تجعلك مؤهلاً للعمل في مهنٍ عليها إقبالٌ واسع، في مجال الرعاية الصحية كفني الصيدلة، والمسعف، وفني طب الطوارئ.

لا يمكن أن يؤمِّن لك العمل متمهِّناً (صانعاً) لقمة عيشك:

على الرغم من أنَّه ليس معقولاً أن يحصل المتمهِّن (الصانع) على الراتب نفسه الذي يحصل عليه الطبيب، إلَّا أنَّ معظم المتمهِّنين يعيشون حياةً مستقرةً على الصعيد المالي. لكنَّ القول بأنَّ العمل متمهِّناً (صانعاً) هو الخيار الذي يلجأ إليه الشخص في حال تعرَّض للإخفاق، هو نوعٌ من أنواع التنميط الخاطئ.

حيث كتبت “لورينت كاميرا” مراسلة (U.S. News) المختصة بشؤون التعليم: “يبلغ متوسط الراتب الذي يحصل عليه الفرد الذي مارس التمهُّن وفقاً لوزارة العمل في الولايات المتحدة 50 ألف دولاراً، وهذا يعني أنَّ ما سيحصل عليه خلال فترة حياتهم كلها من رواتب وامتيازات سيزيد بمقدار 300 ألف دولار على ما سيحصل عليه أقرانه”. وهذا يُعَدُّ بعيداً كل البعد عن القصص التي تسمعها عن المتمهِّنين (الصُنَّاع) الذين أضناهم الفقر.

كيف يستطيع التمهُّن أن يجعل عملك أكثر قيمة:

كيف تستفيد من التمهن في حياتك المهنية إذاً؟ إليك الأشياء القيمة التي سيضيفها التمهن إلى حياتك المهنية:

  1. ستكون قريباً جداً من العمل الذي تريد فعلاً أن تقوم به في المجال الذي اخترته:

على عكس بعض التدريبات الداخلية (Internship) حيث تُسنَد إليك فيها الأجزاء التافهة من العمل، وتحتاج إلى طلب الإذن قبل الاطلاع على الأجزاء المهمة فيه. ستشارك من خلال التمهُّن في مجال عملك بشكلٍ كاملٍ من اليوم الأول، ومن خلال هذه المشاركة المبكرة في العمل، ستصل إلى الشعور بالرضا بسرعة دون أن تضطر إلى انتظار 4 سنوات من التعلم في الكلية لتتعرف عن قربٍ على مجال عملك. وفي الوقت نفسه ستكون لديك فرصة الابتعاد عن مجال العمل إذا اكتشفت أنَّك بدأت تفقد الاهتمام به.

أَتَذْكُر على سبيل المثال الفترة القصيرة التي قلت أنَّني قضيتها متمهِّناً (صانعاً) في مجال العناية بالجمال؟ لقد تركت العمل بعد 6 شهور من الذهاب إلى صالون الحلاقة وتعلُّم أساسيات العناية بالشعر. إذ إنَّني اكتشفت بعد وقتٍ قصير أنَّني لا أحب عملي وقد وفرْتُ لنفسي بذلك التكاليف الباهظة التي كنت سأتحملها لو أنَّني التحقت بكليةٍ للعناية بالجمال. 

كيف تحصل إذاً على فرصٍ حقيقية لممارسة التمهُّن؟ 

زُر المعاهد والكليات التقنية: أفضل شيءٍ يمكن أن تفعله هو زيارة الكليات التقنية في منطقتك، إذ إنَّ هذه المؤسسات تقيم في معظم الأحيان شراكاتٍ مع أرباب العمل المحليين، الذين يضمون بشكلٍ منهجي خريجين إلى القوة العاملة لديهم من خلال إخضاعهم إلى تدريباتٍ منظّمة.

زُر المكتبات المحلية: من الأمور الأخرى المفيدة زيارة المكتبة المحلية وطلب التحدث مع أخصائي العمل فيها، إذ على الرغم من أنَّ الناس يستخفّون غالباً بالمكتبات إلَّا أنَّها تُقدِّم الكثير من فرص التطور المهني.

ابحث عبر الإنترنت عن فرص لممارسة التمهُّن: لم يَعُد الناس يتعاملون مع محلاتٍ تشبه الكهوف المظلمة، إذ يعرض معظم أرباب العمل برامج التمهُّن التي يقدمونها عبر الإنترنت ويوفرون بشكلٍ علني معلومات التواصل، إذا كنت تريد الحديث مع شخصٍ حقيقي.

  • يبحث أرباب العمل عن موظفين أوفياء ومخلصين وبرامج التمهُّن تبرز هذه الصفات إذا كانت موجودةً فيك:

 يُعَزّز العمل متمهِّناً (صانعاً) الشخصية بطريقةٍ لا تفعلها الوظائف أو التدريبات الداخلية العادية، فقد يحتاج إنهاء برنامج تمهَّن بنجاح إلى فترةٍ تمتد بين 2-5 سنوات، وهذا الوقت يُعَدُّ وقتاً طويلاً يمكنك أن تكرّسه لزيادة براعتك، وكَسْب مهارات تتمتع بدرجة عالية من التخصص، وبناء حياة مهنية بدءاً من موظفٍ يحصل على أدنى درجات الدخل، وصولاً إلى موظف يحصل على دخلٍ متوسط دون أن تضطر إلى التنقل بين الوظائف.

وعلى الرغم من أنَّ أعمال التمهُّن نفسها تتناقض مع كثرة التنقل بين الوظائف -نظراً لطول المدة الزمنية التي يحتاج المتمهِّن (الصانع) إلى قضاءها في عمله-، إلَّا أنَّ حضور برنامج تمهُّن مدته 4 سنوات والحصول على شهادة مهنية يحتاج إلى التزامٍ، وصبرٍ، ومثابرة.

يتيح هذا للشركات البحث داخل المنظمة عن موظفين يقدمون أفضل أداء، يمكن تدريبهم على تولي أدوارٍ قياديةٍ وإدارية أو ترقيتهم في أوقات النمو والتوسع.

  • تستطيع سد الثغرات التي يشهدها مجال العمل على مستوى المهارات:

يشتكي معظم أرباب العمل من افتقار سوق العمل إلى مرشحين يتمتعون بالكفاءة بسبب عوامل مثل ضعف البرامج التعليمية، وتواضع الخبرات التي تقدمها برامج التدريب الداخلي، وعدم ملائمة المرشحين للعمل، وقد يكون سببه في أحيانٍ أخرى نقص العمال الذين يتمتعون بمهاراتٍ جيدة، ووجود عدد كبير من العمال الذي يعانون ضعفاً في المهارات، وفي هذه الحالة يمكن أن يكون تطوير المهارات من خلال خضوع العمال إلى فترة تمهُّن حلَّاً لهذه المشكلة.

نحن نرى بالفعل تقارير تتحدث عن احتمال الحاجة إلى 40 مليون عامل يتمتعون بمهارةٍ كبيرة و45 مليون عامل يتمتعون بمهارات متوسطة مع حلول العام 2020، ومن خلال تركيز الاهتمام على مجموعة محددة من المهارات سيحصل أرباب العمل على مُرادهم بدقةٍ، وفي الوقت المناسب، وبالطريقة التي يجدونها مناسبة.

وإذا كنت تعمل موظفاً في الوقت الحالي وترغب في الحصول على مزيدٍ من الشهادات، اسأل ربَّ عملك إذا كان ثمَّة برامج توفر التعليم للموظفين في أثناء مزاولة العمل، يمكن أن تساعدك في ذلك، إذ إنَّ معظم الشركات مستعدة للاستثمار في تطوير موظفيها مهنياً إذا كان الموظفون يطمحون إلى ذلك وإذا أبدوا التزاماً تجاهه.

الخلاصة: قد تكون على بعد خطوةٍ واحدةٍ من نَيْلِ وظيفة أحلامك وثمَّة برامج تمهُّن تبحث عن أشخاصٍ متحمسين وقد تكون أنت الشخص المناسب.