نتوق جميعاً إلى تلقي التغذية الراجعة البنَّاءة؛ فنحن لا نريد معرفة ما نقوم به بشكل جيد فحسب، بل معرفة ما يمكننا القيام به لتقديم الأفضل؛ ومع ذلك، فإنَّ تقديم التغذية الراجعة والحصول عليها في مكان العمل ليست مجرد ممارسة تمنحنا شعوراً أفضل، بل تعدُّ جزءاً لا يتجزأ من كيفية تطور الشركات ونموها.
لماذا تعدُّ التغذية الراجعة البنَّاءة أمراً في غاية الأهمية؟
تفيد ثقافة التغذية الراجعة أفراد الفريق والفريق ككل، فهي:
- تبني مهارات العاملين:
فكر في آخر مرة ارتكبت فيها خطأ ما: هل تعرضت إلى تهجم شخصي؟ أم شعرت أنَّك قد تعلمت شيئاً جديداً فعلاً؟ في كل مرة يتعلم فيها أحد أعضاء الفريق شيئاً جديداً، يصبح عمله أكثر قيمة، ويزداد نطاق المهمات التي يمكنه إنجازها؛ وبمرور الوقت، يرتكب أخطاء أقل، ويتطلب إشرافاً أقل، ويصبح قادراً أكثر على طلب المساعدة.
- تعزز ولاء الموظفين:
التغذية الراجعة البنَّاءة طريق ذو اتجاهين، حيث يرغب الموظفون في الحصول عليها، لكنَّهم يرغبون أيضاً في أن تُؤخَذ التغذية الراجعة التي يقدمونها على محمل الجد. إذا رأى الموظفون أنَّ تغذيتهم الراجعة البنَّاءة قد جرى تجاهلها، فقد يعتبرون أنَّهم ليسوا جزءاً هاماً من الفريق، حيث يقول تسعة من كل عشرة موظفين أنَّهم سيكونون أكثر ميلاً إلى الالتزام بشركة تأخذ تغذيتهم الراجعة في عين الاعتبار وتتصرف بناء عليها.
- تقوِّي روابط الفريق:
لا يمكن للفرق أن تعمل بكفاءة دون الثقة، حيث تبني التغذية الراجعة البنَّاءة الثقة كونها تُظهِر أنَّ مقدِّمها يهتم فعلاً بنجاح المتلقي؛ ومع ذلك، لكي تعمل التغذية الراجعة البنَّاءة جيداً، يتعين على كلا الجانبين افتراض النوايا الحسنة؛ إذ يجب أن يرغب أولئك الذين يقدمونها حقاً في المساعدة، ويجب على أولئك الذين يحصلون عليها أن يؤمنوا أنَّ الهدف منها هو البناء بدلاً من تثبيط العزيمة.
- تعزز الإرشاد والتوجيه:
لا حرج في جولة واحدة من التغذية الراجعة البنَّاءة؛ ولكن عندما تُحدِث فارقاً حقاً، فإنَّها تتكرر؛ فالتغذية الراجعة البناءة المستمرة هي دعامة تقديم التوجيه اللازم. كن أنت التغيير الذي تريد رؤيته في فريقك، وقدم تغذية راجعة بنَّاءة وصادقة في كثير من الأحيان، وسيراك الآخرون كمرشد.
ندرك بناءً على ما سبق أهمية استخدام التغذية الراجعة البنَّاءة لدعم عمل الفرق وتحسينه، ولكن: كيف تقدِّم تغذية راجعة بنَّاءة؟
إنَّ تقديم تغذية راجعة بنَّاءة أمر صعب؛ فإذا فُهِمت بصورة خاطئة، فقد لا تجد رسالتك آذاناً صاغية، كما قد تزرع عدم الثقة، وتخلق جواً من التوتر للفريق بأكمله. فيما يأتي طرائق لتقديم ملاحظات بنَّاءة تقديماً صحيحاً:
- أصغِ أولاً:
قد يكون ما تعتبره خاطئاً تماماً قراراً مبنياً على أسباب وجيهة من وجهة نظر شخص آخر؛ لذلك يعدُّ الإصغاء مفتاح التواصل الفعال، وعليك أن تحاول فهم كيف توصل الشخص الآخر إلى اختياره أو فعله. بإمكانك القول: “ساعدني في فهم طريقة تفكيرك”. “ما الذي دفعك إلى اتخاذ هذه الخطوة؟”. “ما وجهة نظرك؟”.
- أضِف بعض الإطراء:
لعلَّك سمعت بما يُسمَّى “ساندويتش فيدباك” (Sandwich Feedback)، والذي يعني تقديم التغذية الراجعة بالطريقة التالية:
- الإطراء.
- تقديم نقد بنَّاء.
- الإطراء مجدداً مع التأكيد على قدرة الشخص على الاستفادة من النقد البنَّاء.
ربَّما تدرك أهمية تقديم بعض الإطراء والمديح عند تقديم تغذية راجعة سلبية؛ لذا جامل المتلقي ولو قليلاً، حيث يوضح هذا أنَّك تقدِّر عمله رغم ملاحظاتك عليه؛ وبإمكانك القول: “تصميم عظيم؛ لكن هل يمكننا رؤيته بخط مختلف؟ أنا أثق بقدرتك على ذلك”. “تفكير جيد؛ لكن ماذا لو جربنا طريقة التفكير هذه كبديل؟ أنا واثق من أنَّك ستخرج بأفكار إبداعية أكثر”.
- وسِّع دائرة التغذية الراجعة:
قد يكون من الأفضل في بعض الأحيان تقديم التغذية الراجعة البنَّاءة بطريقة غير مباشرة؛ فإذا كانت التغذية الراجعة التي قدمتها مفيدة للآخرين في الفريق، أو إذا كان الشخص الذي تتحدث معه حقاً قد يفهم الأمر بطريقة خاطئة؛ فحاول توصيلها في إطار مجموعة، وبإمكانك القول: “دعونا نفكر في هذا معاً”. “أريد أن يرى الجميع كذا وكذا”.
- اسأل كيف يمكنك المساعدة:
عندما تكون عضواً في فريق، يجب أن تعرف أنَّكم معاً في السراء والضراء؛ وعندما يحدث خطأ ما، عليك أن تدرك أنَّ كل شخص -وليس فقط الشخص الذي ارتكب الخطأ- له دور في إصلاحه؛ لذا، قدم تغذية راجعة وبنَّاءة بطريقة توظف هذه الديناميكية. بإمكانك القول: “ماذا يمكنني أن أفعل لدعمك؟”. “كيف يمكنني أن أجعل عملك أسهل؟”. “هل هناك شيء يمكنني القيام به بشكل أفضل؟”.
- أعطِ أمثلة:
لكي تكون التغذية الراجعة البنَّاءة مفيدة، يجب أن تكون ملموسة؛ لذا وضح نصيحتك من خلال الإشارة إلى مثال واضح، وبإمكانك القول: “أردت أن أريك كذا وكذا”. “هذا ما كنت أود أن تقوم به”. “هذا نموذج مثالي”. “المثالي هو كذا وكذا”.
- كن متعاطفاً:
حتى عندما تكون هناك ثقة في الفريق، يمكن أن تكون الأخطاء محرجة للغاية، وقد يكون من الصعب فهم الدروس الكامنة فيها، ومن المرجح أن تُؤخَذ التغذية الراجعة البنَّاءة على محمل الجد عندما تكون مصحوبة بالتعاطف. بإمكانك القول: “أعلم أنَّه من الصعب سماع ذلك”. “إنَّني أتفهَّم”. “أنا آسف”.
- ابتسم:
تُعلِّم شركات الاستشارات الإدارية مثل “كريديرا” (Credera) أنَّ التواصل هو مزيج من المحتوى وطريقة التسليم والعرض؛ لذا عند تقديم تغذية راجعة بنَّاءة، احرص على أن تكون لغة جسدك إيجابية مثل رسالتك؛ فابتسامتك هي إحدى أفضل أدواتك لتقديم تغذية راجعة بنَّاءة تعزز التواصل.
- كن ممتناً:
عندما تشعر بالإحباط بسبب خطأ ما، قد يكون من الصعب رؤية الجانب الجيد من الأمور؛ لكن ليس عليك أن تتخذ هذا الموقف السلبي، فكل جلسة تغذية راجعة بنَّاءة هي فرصة للفريق لكي يتحسن ويقترب من أهدافه. بإمكانك القول: “أنا سعيد لأنَّك طرحت هذا الأمر”. “لقد تعلمنا جميعاً درساً هاماً”. “أحبُّ التطور كفريق”.
- تجنَّب الاتهامات:
يعدُّ تقديم تغذية راجعة سلبية دون فقدان أعصابك أحد أصعب أجزاء العمل مع الآخرين، فقد يشعر القادة العظماء ومديرو المشاريع بالسوء عند التعامل مع الأخطاء، لكنَّهم لا يأخذون الأمر على محمل شخصي أبداً. بإمكانك القول: “نرتكب كلنا الأخطاء”. “أعلم أنَّك بذلت قصارى جهدك”. “أنا لا أضمر ضغينة تجاهك”.
- تحمَّل المسؤولية:
تُرتكَب الأخطاء في أغلب الأحيان بسبب سوء الفهم، فاعرف دورك في حدوثها؛ فهل يمكن أن تكون أوضح فيما تريد؟ هل أعددت الشخص الآخر جيداً كي يحقق النجاح؟ بإمكانك أن تقول: “يجب أن أحصل على كذا”. “في المرة القادمة، سأفعل كذا”.
- اختر الوقت المناسب:
يجب ألَّا تفاجئ التغذية الراجعة البنَّاءة الناس؛ لذلك، لا تطرحها بينما يستعد الجميع لمغادرة العمل، ولا تقاطع محادثة غداء جيدة من أجل تقديمها. إذا كنت غير واثق من الوقت المناسب، فاطلب من الشخص الذي تقدم التغذية الراجعة له أن يحدد موعد الجلسة بنفسه، وشجعه على اختيار وقت يمكنه فيه التركيز على المحادثة بدلاً من شيء آخر.
- استخدم أسماءهم:
عندما يسمع شخص ما اسمه، يركز انتباهه لاإرادياً؛ لذا استخدم ذلك عند تقديم تغذية راجعة بنَّاءة، وتذكر أنَّها يجب أن تكون موجهة إلى الشخص وحول أخطائه؛ كما يجب ألَّا تحمل طابعاً شخصياً. بإمكانك أن تقول: “لقد أردت محادثتي من أجل كذا”. “هل هذا منطقي؟”.
- اقترح ولا توجه الأوامر:
عندما تقدم تغذية راجعة بنَّاءة، فإنَّه لمن الهام ألَّا تكون عدائياً، حيث يعني تقديم التغذية الراجعة أنَّ الشخص الذي ارتكب الخطأ كان لديه خيار؛ وعندما يحدث الموقف مرة أخرى، سيكون بمقدوره الاختيار بشكل مختلف. بإمكانك القول: ”في المرة القادمة، أقترح القيام بكذا وكذا”. “جربها بهذه الطريقة”. “هل أنت على وفاق مع ذلك؟”.
- كن موجزاً:
حتى عندما تُقدِّم التغذية الراجعة البنَّاءة بطريقة تعاطفية، قد يكون تلقيها غير مريح أبداً؛ لذا، أوصل رسالتك، وتأكد من عدم إثارة أي مشاعر سلبية، وامضِ قدماً. هناك استثناء واحد لذلك، وهو حين تكون التغذية الراجعة غير مفهومة، حيث عليك أن تكون واضحاً بشأن ذلك، وأن تؤكد أنَّ المجال مفتوح للاستفسارات؛ إذ يُولِّد الاستعجال في هذه الحالة شعوراً بعدم الاحترام، وقد يثبط العزيمة.
- تابع:
لا يمكن تعلم كل الدروس على الفور؛ فبعد إعطاء تغذية راجعة بنَّاءة لأحد أعضاء فريقك، عليك متابعتها برسالة بريد إلكتروني. احرص على أن تكون محترماً ومفيداً في تغذيتك الراجعة المكتوبة كما هو الحال في تواصلك الشفوي. بإمكانك القول: “أردت أن أختصر…”. “شكراً على الدردشة معي حول…”.
- توقَّع التحسن:
رغم أنَّه يجب عليك دائماً تقديم التغذية الراجعة البنَّاءة بطريقة داعمة، إلَّا أنَّك يجب أن تتوقع تنفيذها أيضاً؛ وإذا كانت المشكلة طويلة الأمد، فحدد المعالم الأساسية للتقدم. بإمكانك القول: “أود أن أراك”. “دعونا نتحقق من هذا مرة أخرى بعد…”. “أنا أتوقع منك كذا”. “دعونا نراجع ذلك بحلول تاريخ كذا”.
- أعطِ فرصة ثانية:
يعدُّ تقديم التغذية الراجعة -بغض النظر عن مدى كونها بنَّاءة- مضيعة للوقت إذا لم توفر فرصة لتطبيقها؛ لذا لا تتوقع أن تُطبَّق ملاحظاتك في الحال، بل عليك إعطاء فرصة لتطبيقها في المهمات التالية. بإمكانك أن تقول: “أعلم أنَّك ستنجز المَهمَّة بكفاءة في المرة القادمة”. “أود أن أراك تحاول مرة أخرى”. “دعونا نعطي هذه المَهمَّة فرصة أخرى”.
أفكار أخيرة:
التغذية الراجعة البنَّاءة ليست أمراً سهلاً للقيام به؛ فإذا كنت لا تجيد تقديمها، فقد حان الوقت للحصول على بعض المساعدة، ونرجو أن نكون قد قدَّمنا نصائح مفيدة في هذه المقالة.