الناس فيما يتعلق بتطوير مهاراتهم المهنية صنفان صنف يراوح مكانه و لا يعمل على تطوير مهاراته و صنف آخر يعمل على تطوير المهارات التي يمتلكها و/أو يعمل على اكتساب مهارات أخرى لإثراء قدراته المهنية.
أما الصنف الأول فتوقفه عن تعزيز مهاراته يعني شيئا واحدا ألا و هو التراجع و التأخر لأن الإنسان إما أن يكون متقدما أو متأخرا و لا يوجد بين هذين التوجهين مسلك ثالث, إذ أن توقفك عن المضي قدما يتيح للآخرين ممن اختاروا التقدم و عدم التوقف أن يسبقوك و بالتالي تخلفك عنهم بسبب هذا التوقف, و هذا يتحتم عنه أن يصبح سكونك حالة وهمية في ذهنيتك تشعرك أنك محافظ على مستواك في حين أن حقيقة الأمر هو أنك في حالة التراجع أو التدهور لذلك يقول الله تعالى: “لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر” و لم يرد في قوله خيارا آخر كالحفاظ على المستوى مثلا لأن الحفاظ على المستوى لا يتأتى إلا بالتقدم و العمل على تطوير الذات, و تطوير المهارات هو جزء أصيل من تطوير الذات. و هذا يوصلنا إلى معادلتين منطقيتين.
المعادلة الأولى مفادها أن التقدم ينتج عنه إما حفاظا على المستوى و هو نجاح حققته في الماضي و تعمل على الحفاظ عليه من خلال التقدم و الذي نعني به هنا الإستمرار في تطوير المهارة, أو ينتج عنه تحسنا في المستوى.
أما المعادلة الثانية فهي أن التوقف يساوي التراجع و هذا التراجع ينتج عن التوقف عن تطوير المهارات كجزء من تطوير الذات, و لذلك قيل قديما: ” من قال علمت فقد جهل” و بالتالي على هذا الصنف من الناس أن يتجردوا من هذا السكون و يشرعون في العمل على أنفسهم و مهاراتهم. فعلى سبيل المثال قد تكون محلل نظم معلومات ناجحا و ممن حصلوا على شهادة عالية و بتفوق ثم بعد التخرج اكتفيت بما تمتلكه من معارف و مهارات و لم تطورها و لم تعمل على اكتساب مهارات إضافية و لم تتابع نظم المعلومات الجديدة و البرامج التطبيقية المتطورة و المتغيرة بشكل متسارع, فإن النتيجة الحتمية لهذا السلوك هو التدهور و إتاحة الفرصة لغيرك – ممن كانوا في مستوى دون مستواك – من التقدم عليك و هذا يعني أن تصبح فرص حصولهم على الوظيفة المناسبة أكبر من الفرص التي لديك و خاصة في سوق العمل اليمني الذي تتسم فيه الفرص الوظيفية بالندرة كما هو معلوم.
من قال علمت فقد جهل
أما الصنف الآخر فهم أولئك الذين يعملون على تطوير مهاراتهم. و مع إيجابية ما يقومون به إلا أنهم ليسوا بمعزل عن عدم تحقيق النتائج المنشودة, إذ هم لم يعملوا على وضع إستراتيجية ناجحة و مدروسة لتطوير مهاراتهم, حيث يوجد بيننا من يعمل على تطوير مهاراته و لكنه لا يرى نتائجا مرضيه تتماشى مع توقعاته, و ذلك إما لأنهم يفتقرون إلى القدرة على تحديد مسارهم المهني بوضوح أو أنهم عملوا على تحديد هذا المسار لكنهم أخفقوا في تطوير المهارات المناسبة لتعزيز هذا المسار و تدعيمه و الوصول إلى مبتغاهم. ليس كل مهارة نعمل على تطويرها ستؤدي بنا إلى النجاح المهني المنشود و إن كان صحيحا أن كل مهارة عملنا على اكتسابها لابد و أن نجني ثمرتها, و لكن هذه الثمرة قد لا تكون ثمرة متعلقة بمسيرتنا المهنية, إذ لابد لنا من تحديد المهارات المناسبة و المطلوبة لتحقيق النجاح المهني بدلا من مهارات قد لا تتعلق بمسيرتنا المهنية. أما إن أصرَّ أحدنا على السير نحو تطوير مهارات غير مناسبة و أراد في الوقت ذاته تحقيق النجاح الذي يرغب به ضمن مساره المهني فيتحتم عليه إما أن يغير وظيفته أو مساره المهني برمته أو أن يعمل على تغيير أسلوبه في تطوير مهاراته, فإن كنت مسؤولا إعلاميا مثلا فعليك أن تسأل نفسك ما هي المهارات المناسبة التي عليك أن تطورها لتحقيق النجاح المستمر في هذا المجال, كالقدرة على التفاوض مثلا أو الخطابة أو كتابة محتويات جذابة, و سترتكب خطأ فادحا إن توقفت عن تطوير مهاراتك في هذه الجوانب و كرست معظم وقتك في تطوير مهارة أو مهارات لا تتعلق بمجالك ثم تنتظر بعد ذلك النجاح في هذا المجال, كأن تعمل على تطوير مهارة صيانة و برمجة الهواتف النقالة عل حساب المهارات الأساسية المتعلقة بعملك الإعلامي.
نحن هنا لا نقول أنه لا يحق لك بأن تمتلك هوايات أو أن تعمل ما تحب و لكن ما نود قوله هو العمل على توظيف الأداة المناسبة من خلال الأسلوب المناسب للوصول إلى الهدف بدلا من تكريس معظم وقتك في تطوير مهارات ثانوية على حساب مهارات أساسية. و في سياق المثال الذي أوردناه, إن كنت مصمما على تكريس معظم وقتك في تطوير مهاراتك المتعلقة بصيانة و برمجة الهواتف النقالة و لا ترغب أبدا في تطوير المهارات المتعلقة بوظيفتك كمسؤول إعلامي لأنك لم تعد تحب ما تعمل أو أنك لم تعد تجد نفسك في هذا المجال ففي هذه الحالة عليك أن تغير من مسيرتك المهنية نحو صيانة و برمجة الهواتف النقالة لتحقق نجاحا مهنيا مبهرا. أما إن كان النجاح المهني ليس من أولوياتك فاستمر على ما أنت عليه.
مشكلة أخرى يعاني منها أولئك الطموحون الذين يسعون نحو اكتساب مهارات جديدة أو تطويرها و هي رغبتهم في تعلم كل شيء و اكتساب أكبر عدد ممكن من المهارات دونما التركيز على الإتقان و التخصص. ففي هذه الحالة قد يكون إنتاج هؤلاء كبيرا لكن إنتاجيتهم ضعيفة, حيث أن الفرق الرئيس بين الإنتاج و الإنتاجية يكمن في أن الإنتاج يركز على الكم بينما تركز الإنتاجية على الكيف, إذ أن الإنتاجية هي الأداة التي يتم من خلالها قياس الكفاءة, فقد تعمل على اكتساب و تطوير 5 مهارات خلال سبعة أعوام مثلا و يعمل غيرك على اكتساب مهارتين خلال نفس الأعوام لكنه كرس وقته في إتقان هاتين المهارتين بينما عملت أنت على اكتساب مهاراتك الخمس ضمن مستوى ضعيف مثلا و لم تعمل على الوصول بها إلى مرحلة التقانة لأنك ركزت على الكم و لم تركز على الكيف. فإن كان مستوى إتقانك لكل مهارة مثلا 30 و كان مستوى تقانة الآخر صاحب المهارتين 90 فإن نتيجة المقارنة بينكما هي أن إنتاجك أكبر من إنتاج الآخر لكن إنتاجيتك أقل و بالتالي كفاءتك أقل.
و في الأخير يمكننا القول بأن تطوير المهارات شيء مهم للغاية, و لكن الأهم من ذلك هو كيفية التركيز على المهارات المناسبة و العمل على تطويرها و الوصول بها إلى مستوى التقانة, أي أنه يجب أن تكون المهارات مرتبطة بالهدف الذي نسعى للوصول إليه و تعمل على خدمته.