يعدُّ التركيز في العمل عاملاً أساسياً لتعزيز الإنتاجية؛ فهو يضمن التزامك بإنجاز المهمات كافة في قائمة أولوياتك يومياً، واستثمار الوقت الذي تهدره على عوامل التشتيت والمهمات غير الضرورية؛ كما يساعدك على أداء المهمات الموكَلة إليك بفاعلية كونك توجه تفكيرك كله نحو إنجازها؛ ولكنَّ السؤال الآن هو: كيف يمكنك التركيز على أداء عملك في ظل جميع عوامل التشتيت التي تحيط بك في مكان العمل؟
لا تكفي إرادتك وحدها لتعزيز تركيزك؛ لذا نقدم إليك النصائح والاستراتيجيات التالية لتسهل عليك هذه العملية:
- أوقِف تشغيل الإشعارات:
تسلبك الإشعارات الصادرة من تطبيقات هاتفك تركيزك؛ فكلما تلقيت تنبيهاً، يتشتت تركيزك، وتنصرف عن المَهمَّة التي تؤديها لتتفقده حتى وإن كان لبرهة من الزمن؛ ولكنَّ استعادة ذلك التركيز يستغرق منك وقتاً طويلاً. في بعض الحالات، قد تصرفك الإشعارات كلياً عمَّا تفعله؛ ممَّا يدفعك إلى تبديل أولوياتك على نحو يفتقر إلى الفاعلية؛ لذا، عليك إيقاف تشغيل هذه الإشعارات عندما تسنح لك الفرصة بذلك، أو محاولة تخفيفه لتتمكن من إنجاز مهماتك على أكمل وجه.
- احظر المواقع التي تشتت انتباهك:
لا بد أنَّك تهدر ساعات من وقتك في تصفح العديد من المواقع كل أسبوع، سواء كانت مواقع التواصل الاجتماعي، أم المنتديات، أم غيرها من المصادر التي تصرفك بعيداً عن إنجاز أعمال تفوقها أهمية؛ لذا، جرب تنصيب برنامج أو تطبيق يتيح لك اختيار هذه المواقع وحظرها، أو تقييد وقت استخدامك لها؛ وذلك لتتمكن من تطوير عادات تعزز إحساسك بالمسؤولية.
- احذف التطبيقات التي تستهلك معظم وقتك:
عليك أن تحدد التطبيقات التي تهدر وقتك وتشتتك بصورة كبيرة، وتحذفها كلها؛ أمَّا إذا كنت متعلقاً بها جداً، فبإمكانك إعادة تنصيبها في وقت آخر، أو إخفائها من شاشة هاتفك الرئيسة؛ حيث ستتمكن بهذه الطريقة من تخفيف استخدامك لهذه التطبيقات تلقائياً.
- لا تسمح لأحد بمقاطعتك:
يبلغ معدل الوقت الوسطي الذي يقضيه موظف متمرس في المجال المعرفي في إنجاز عمل ما نحو 11 دقيقة فقط قبل أن يقاطعه شخص آخر، ممَّا قد يثير الإحباط عند محاولة التركيز على مشروع يتطلَّب كامل تركيزك. ثمة طرائق عديدة تتيح لك منع الناس من مقاطعتك؛ فمثلاً: يمكنك أن تضع حدوداً بينك وبين الآخرين، كأن تغلق الباب، أو تخبرهم أنَّك مشغول ليمتنعوا عن التحدث إليك؛ وفي حال لم تستطع فعل ذلك، يمكنك أن تفصل اتصال الإنترنت لتمنع طلبات المراسلة الإلكترونية من الوصول إليك، وإن كان ذلك لفترة مؤقتة.
- احصل على قدر كافٍ من النوم:
يلعب النوم دوراً هاماً في القدرة على التركيز؛ فليلة واحدة من الأرق كفيلة بالتأثير سلباً في تركيزك في اليوم التالي، أو حتى لعدة أيام متتالية. يحتاج الشخص البالغ إلى النوم لفترة تتراوح بين 7 و9 ساعات كل ليلة؛ وإذا كنت لا تستطيع تحقيق ذلك، فجرب أن تجدول أوقات نومك كأي مَهمَّة أخرى؛ كما يمكنك أن تجرب أساليب أخرى كشراء فراش جديد، أو تعديل درجة حرارة الغرفة، أو تحسين نمط حياتك عموماً من خلال تناول الطعام الصحي وممارسة التمرينات الرياضية.
- تناول المشروبات التي تحتوي على الكافئين باعتدال:
يعرف أولئك الذين يشربون القهوة دائماً أنَّ مقداراً قليلاً من الكافئين كفيل بتحسين التركيز، خصوصاً عند الشعور بالتعب؛ لذا، جرب أن تتناول فنجاناً من القهوة أو الشاي عندما تحتاج إلى تعزيز تركيزك؛ ولكن احذر من الإفراط في تناول هذه المشروبات، وإلَّا ستعاني من تأثيرات الكافئين الجانبية، كالقلق أو الأرق.
- جرِّب منهج “إي بي سي” (ABC Method):
ينصح مقال صادر عن مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” (Harvard Business Review) بممارسة منهج “إي بي سي” (ABC Method)، وهو اختصار للحروف الأولى من الكلمات التالية: (Aware: وعي)، و(Breath: تنفس)، و(Choose: اختيار). تكمن الفكرة في أن تنتبه إلى نفسك عندما يتشتت انتباهك، حيث تتوقف للحظة لتتنفس بعمق دون أن تطلق الأحكام على نفسك إلى أن يصفى ذهنك؛ حيث يمكنك بعدها اختيار أن تظل مشتتاً، أو أن تكمل عملك.
- مارس تأمل اليقظة الذهنية:
يمكنك أن تحقق نتائج النصيحة السابقة ذاتها عند ممارسة تأمل اليقظة الذهنية؛ فهو نوع فعال من التأمل يشجع الناس على تركيز انتباههم على الحاضر بدلاً من العيش في ذكريات الماضي أو التوجس من المستقبل، إذ عليك أن تسمح لأفكارك بالتدفق والانسياب بصورة طبيعية، وغالباً ما يمكنك ذلك من خلال استخدام نقطة تركيز كالتنفس العميق. قد تواجه صعوبة في بداية ممارستك هذا التأمل، وربَّما لا تلاحظ أي نتائج؛ ولكنَّك ستتطور مع مرور الوقت لتدرك أنَّ تأمل اليقظة الذهنية أداة رائعة لترتيب وتنظيم أفكارك وتعزيز تركيزك.
- تجنَّب تعدد المهام:
يعتقد الكثير من الناس أنَّ بإمكانهم أداء مهمات متعددة في آنٍ معاً، رغم حقيقة عدم فاعلية ذلك؛ حيث أفادت دراسة أنَّ هذا الأمر يُضعِف إنتاجيتك بنسبة تصل إلى 40%. قد ترغب في القراءة قليلاً في أثناء حضور اجتماع ممل، أو تحاول تلبية طلبات عميلَين مختلفَين في الوقت نفسه؛ ولكن عندما تقسِّم تركيزك بين عملَين أو أكثر، سينتهي بك المطاف دون إنجاز أيٍّ من هذه الأعمال بفاعلية؛ لذا، من الأفضل أن تركِّز على مَهمَّة واحدة فحسب، حتى لو لم تشعر أنَّك أنجزت الكثير؛ فكلما فعلت ذلك، سَهُل عليك التركيز على كل مَهمَّة وأداؤها على أكمل وجه.
- اضبط درجة حرارة الغرفة:
أفادت إحدى الدراسات أنَّ إنتاجية الناس الذين يعملون في غرفة تبلغ درجة حرارتها 25 درجة مئوية تتضاعف مقارنة بأولئك الذين يعملون في مكان تبلغ درجة حرارته 20 درجة مئوية. توجد عدة تفسيرات محتملة لذلك، كأن يشعروا براحة أكبر أو يزيد نشاطهم في غرفة ذات درجة حرارة معتدلة؛ لكن مهما كان السبب، فإنَّ تأثير درجة الحرارة في التركيز مثبت علمياً؛ لذا حاول أن تتقبَّل هذه الفكرة على علَّتها، فربَّما يفضِّل الناس درجات حرارة مختلفة في أثناء العمل، وقد يتحسَّن تركيزك في ظروف مختلفة للغاية.
- حسِّن الإضاءة في مكان عملك:
يجد الناس عموماً سهولة أكبر في التركيز عندما يعملون في مكان ذي إنارة جيدة وعالية الجودة، ومن الأفضل هنا أن تدع أشعة الشمس تدخل إلى مكان عملك؛ وإن لم يكن هذا ممكناً، فاشترِ مصابيح الليد (LED) عالية الجودة التي يمكن أن تستعيض بها عن ضوء الشمس. لن تشعر بالتعب أو الإرهاق عندما تكون محاطاً بضوء مناسب، وسيسهِّل تركيزك على الأوراق أو الشاشات الموجودة أمامك.
- افصِل مكان عملك عن مكان استراحتك:
في حال كنت تعمل في المنزل أو تتمتَّع بالمرونة في اختيار مكان عملك، فخصص مكاناً للعمل، وآخر للاستراحة؛ حيث تتأقلم عقولنا مع بيئات مختلفة تبعاً للهدف من استخدامها. إذا كنت تستخدم سريرك للجلوس والعمل مثلاً، فقد تواجه صعوبة في النوم لكون هذا المكان مرتبطاً بهدف آخر؛ وإذا كنت تستمتع بمشاهدة الأفلام أو ألعاب الفيديو على الأريكة في غرفة الجلوس، وحاولت أن تعمل عليها باستخدام حاسوبك الشخصي، فسيتشتت ذهنك بالتأكيد؛ لهذا السبب، احرص على تخصيص مكان مناسب للعمل لكي تنمي تركيزك.
- حدِّق بأشياء حمراء اللون:
قد تكون هذه نصيحة غريبة بعض الشيء، ولكن جرِّب أن تحدق بشيء أحمر اللون عندما يتشتت انتباهك؛ حيث أظهرت دراسة حديثة أنَّ القيام بذلك يعزز تركيز الموظفين على مهمَّاتهم، وينشِّط ذاكرتهم، ويحسِّن أداءَهم وانتباههم إلى التفاصيل؛ في حين لم تَظهَر النتائج ذاتها عند أولئك الذين حدَّقوا النظر بشيء أزرق اللون. إذاً، جرب أن تضع قطعة من القماش أو الورق الأحمر بالقرب منك عندما تحتاج إلى تعزيز تركيزك.
- مارس التمرينات الرياضية كل يوم:
خصص وقتاً لممارسة التمرينات الرياضية يومياً، حتى وإن لم يكن لديك الوقت الكافي لاتباع جدول تمرينات متكامل؛ حيث يطلق التمرين الجسدي مادتي الإندورفين (endorphins) والدوبامين (dopamine) اللتين تعززان طاقتك وتركيزك خلال اليوم، وتحرِّرانك من التوتر؛ لذا عليك أن تجرب هذه الطريقة.
- قسِّم أعمالك إلى مهمات أصغر:
يصعب على الناس التركيز عندما يواجهون مَهمَّة معقدة أو عسيرة؛ ولكن بإمكانك أن تتعامل مع الأمور بسهولة وتركيز أكبر حين تقسِّم هذه المهمات والمشاريع إلى عدة أجزاء صغيرة؛ لذا قسِّم أوقات عملك إلى فترات مدتها 15 دقيقة بدلاً من العمل لساعات طويلة دفعة واحدة، حيث يسهل عليك التركيز لمدة 15 دقيقة في كل مرة عوضاً عن محاولة التركيز لساعتين متتاليتين.
- خذ قسطاً من الراحة:
تُعدُّ الاستراحة الطريقة الوحيدة كي تستعيد نشاطك وسط العمل الشاق؛ فهي طريقة جيدة لتنظيم أفكارك، وفرصة لإعادة تقييم أولوياتك ونهجك في العمل؛ لذا، جرب أن تأخذ استراحة لمدة لا تقل عن عدة دقائق كل ساعة أو ساعتين، وابتعد عن عملك إن أمكن؛ وعند عودتك، ستكتشف أنَّ تركيزك على تأدية مهماتك أصبح أسهل بكثير.
- ضع حولك تذكيرات مرئية:
لا يتشتت ذهننا كلياً دفعة واحدة، بل يبدأ تركيزنا بالتلاشي شيئاً فشيئاً دون أن نشعر بذلك؛ وقبل أن ندرك ما حدث، نكون قد حوَّلنا انتباهنا بالفعل إلى أمر جديد كلياً. يمكنك التصدي لهذا الأمر من خلال وضع تذكيرات مرئية حولك، كأن تكتب عبارة: “هل أنت مركِّز على عملك؟” على قصاصة من الورق الملون (حبَّذا لو تكون حمراء اللون)، وتلصقها إلى جانب شاشة حاسوبك؛ حيث سيساعدك هذا على تعديل مستويات تركيزك. كلما تشتت ذهنك عن العمل الأساسي الذي تنجزه، سترى هذه العبارة، وتطرح على نفسك هذا السؤال، وتتمكن من استعادة تركيزك؛ ولكن يجب أن تحرص على تغيير هذه التذكيرات من وقت إلى آخر كيلا تعتاد عليها.
- استخدم الضجيج الأبيض لصالحك:
إذا كنت من الأشخاص الذين يتشتت انتباههم من الأصوات المحيطة بهم، فجرب العثور على طريقة لإصدار أصوات هادئة من حولك. عندما تشغل موسيقى منخفضة الصوت أو جهاز الضجيج الأبيض، تتلاشى كل تلك الضوضاء الخفيفة التي عادة ما تشتت انتباهك؛ كخطوات الأقدام، أو المحادثات التي يجريها الناس مع بعضهم، أو ضجيج عمليات البناء؛ لذا جرب أنواعاً مختلفة من الأصوات لترى ما قد يعزز تركيزك.
- حافظ على تركيزك في مجالات حياتك الأخرى:
يتشابه التركيز مع العضلات، فكلما تدربت أكثر، أصبحت أقوى وأكثر نشاطاً؛ وكذلك الأمر، إن لم تتحلَّ بالتركيز في مجالات حياتك الأخرى، فلن تتمكن من فعل ذلك في أثناء العمل. عندما لا تتمكن من الانتهاء من مشاهدة فيلم دون التحقق من هاتفك عشرين مرة، يدل هذا على أنَّك تعاني من مشكلة كبيرة في تركيزك؛ لذا ينبغي أن تعمل على تعزيز مستوى تركيزك قدر المستطاع في جميع مجالات حياتك، وليس في العمل فقط، وستلاحظ فارقاً كبيراً في أدائك في غضون أسابيع.
واصل إجراء التحسينات:
إذا كنت تعاني من التشتت أثناء تأدية مهماتك، فلعلَّك ستصاب بخيبة أمل عندما تعلم أنَّه لا يوجد طريق مختصر يجعلك أكثر تنبهاً على الدوام؛ ولكن لا تدع هذا الأمر يثبط عزيمتك، إذ عليك أن تواصل محاولة تطوير نفسك من خلال تعديل عاداتك ومنهجية عملك لكي تتمكن من تعزيز تركيزك؛ لذا ألقِ نظرة على كل هذه الاستراتيجيات التي ذكرناها، واختر ما يناسبك منها.