من المعروف في مجال التوظيف أنّ مسؤول التوظيف يقضي ما لا يزيد عن الست ثوانٍ لتحديد ما إذا كانت السيرة ذاتية التي يقرأها مناسبة أم لا؛ لا تجد الأمر غريباً فإنّه بوجود المئات من السير الذاتية المكدسة أمامه عليه أن يستغلّ وقته بحكمة.
لو كنتَ تتساءل عن السبب، وتعتقد في ذلك ظلماً لك فإنّ هذا غير صحيح، قد تكون بذلت جهدك ووقتك في سبيل كتابة سيرة ذاتية مليئة بالإنجازات، ولكن هو في المقابل عليه أن يكون ذكيّاً بسرعة بديهته في اختيار الموظف الأمثل لشغل الوظيفة الشاغرة.
فحتى مسؤولي التوظيف لديهم مدراء ومن هم أعلى منصباً منهم، كما ولديهم منافسين لهم يعملون بنفس وظيفتهم، والجميع يتوقّع منهم أن يختاروا الموهبة الأفضل لكلّ وظيفة شاغرة في الشركة، بما يتناسب مع أهدافها واستراتيجيتها في خطة النجاح. فإنّ نجاحهم في اختيار الموظف الأمثل يعني نجاحهم في عملهم بشكل عامّ، أعتقد أنّ الكثير من الضغط والمسؤولية تقع على عاتقهم.
وبالتالي، فإنّ قضاء ست ثوانٍ فقط في الاطلاع على السيرة الذاتية بلمحة سريعة، عليها أن تكون كافية له لتحديد مدى مقياس نجاح اختيار هذا الشخص للمقابلة من عدمه، فإنّه في هذه الثواني المعدودة عليه أن يقرّر ما إذا كانت “خبرات هذا الشخص ومهاراته” تؤهله لترشيحه كمنتج للبيع بناء على خبراته!
إذا لم تفهم المقصود من كلامي، دعنا نلعب لعبة بسيطة؛ تخيّل نفسك مسؤول توظيف، وتبحث عن شخص لشغل منصب “منسّق التسويق” في مشروع للعمل مع باقي أعضاء فريقك، وترى أمامك سيرتين ذاتيتين، ولديك ست ثوانٍ لكل واحدة منها فقط لتطلع عليها.
هل فعلت ذلك؟ رائع! الآن، أخبرني أيّ السيرتين الذاتيتين أفضل، أو من هو المرشح الأوّل؟ ومن هو المرشح الثاني؛ فلنفترض مثلاً أنّك أجبتني:
المرشّح الأول: مرشحي الأوّل لديه شهادة جامعية في التسويق، وخبرة ثلاث سنوات في مجال العمل.
المرشّح الثاني: مرشحي الثاني لديه خبرة سنتين في مجال التسويق، وقد نجح في عمله الحاليّ في تطبيق استراتيجيّة التسويق من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ (التسويق الإلكترونيّ للمنتج)، والذي ضاعف أعداد زبائن الشركة التي يعمل بها إلى ثلاثة أضعاف الرقم المطلوب، كما أنّ الحملة التسويقيّة المستهدفة ساعدت في زيادة ترويج منتج الشركة بنسبة 25%.
هنا من ستختار؟ بالطبع سيكون مرشحك الثاني هو الأفضل، صحيح؟ فإنّ السبب في ذلك أنّ مسؤول التوظيف سيختار المرشح الذي يستطيع أن يسوّق له بصورة أفضل، ومن يستطيع أن يخبره بصورة موجزة “قصة قصيرة” عن إنجازاته باستخدام مؤشرات النجاح، والأمثلة الحقيقية المثبتة للكلام المذكور في السيرة الذاتيّة.
بعبارة أخرى، مسؤول التوظيف يحقق نجاحاً عندما يختار الموظف الأفضل، وعندما يقضي ثوانيه الستة في قراءة سيرتك الذاتيّة فعليه أن يبحث عن إنجازاتك، ونجاحاتك، وخبراتك، وكلماته التسويقية “لك”؛ فهو يريد من يجعله يظهر بصورة أفضل باختياره المرشح الأمثل لنجاح الشركة وتحقيق أهدافها.
إذا كنتَ تتساءل ما فائدة هذا الكلام كلّه وماذا يعنيك أنت؟ حقيقةً فإنّ اللعبة السابقة قد تكون منظارك الجديد لسيرتك الذاتيّة، والذي تنظر به إلى سيرتك بعين “مسؤول التوظيف”. هذه الطريقة سهلة جدّاً لتجعلك تعيد النظر في كتابة سيرتك الذاتيّة، وما أوردت فيها. فأنت الآن تعلم كيف يفكّر مسؤول التوظيف، والكمّ الهائل من الضغط الملقى على عاتقه، حيث إنّ هذا الضغط يساعده في اختيار الموظف الأمثل للمقابلة التالية.
لتكن هذه اللعبة مفتاحك السحريّ في مساعدة مسؤول التوظيف ليرى في هذه الثواني الستّة الأمور التي يبحث عنها في سيرتك الذاتيّة، وتدفعه إلى اختيارك للمقابلة، واتصاله بك فوراً لتحديد موعد.
حسناً! لنطبّق الآن هذه الطريقة؛ ضع سيرتك الذاتيّة أمامك، واسأل نفسك الأسئلة التالية:
- هل سيرتي الذاتيّة تجعل من خبراتي وإنجازاتي منتجاً حقيقيّاً يسهل التسويق والترويج له “بالكلمات”؟
إذا كانت سيرتك الذاتيّة والتي تعتبر وثيقتك الحقيقيّة للتعبير عن إنجازاتك لا تعبّر عن هذا الأمر بالطريقة الأفضل، فاعلم أنّها بحاجة للكثير من التعديل. يُفترض بها أن تكون وسيلتك الترويجيّة لتسويق نفسك، وخبراتك، وإنجازاتك، حيث تكون سجّلاً موّثقاً لقائمة مشاريعك الخاصة، وأهدافك، وحصصك من الإنجازات التي حصلت عليها، سواء الماديّة، أو المعنويّة.
عليك أن تطرح الخجل بعيداً، فإذا حصلت على ترقية بعد استلامك لوظيفة ما بعد تسعة أشهر من العمل فقط مثلاً، سلّط الضوء على هذا الإنجاز. وإذا نجحت في الحصول على أكثر من 60 ألف متابع للنشرة الإخباريّة لشركتكم فلا تنسى أن تذكر هذا الأمر المهمّ. وإذا نجحت في إيصال عدد المعجبين بصفحة الشركة الخاصة على الفيس بوك إلى ما يزيد عن ال 10,000 معجب في شهر واحد؛ فلا تنسى أن تذكر هذا الإنجاز الرائع. لا تخجل من أن تصف إنجازاتك بشكل واضح وصريح، اعرضها بطريقة واقعيّة وجذابة، دون الحاجة إلى استخدام الكثير من العبارات الطنّانة.
- هل سيرتي الذاتيّة وتاريخي المهنيّ يخبر مسؤول التوظيف “قصة مذهلة” عن إنجازاتي؟
أنت لا تريد أن تذكر قائمة طويلة من إنجازاتك وأن تدعمها بالأرقام والحقائق فقط، فأنت أيضاً تريد أن توصل قصة مقنعة لمسؤول التوظيف تحكي بها عن إنجازاتك العمليّة، والتي تحتاج بها إلى فكرة “نص وسياق”. فهل كنتَ صاحب السجل الأعلى مبيعاً في منطقة معيّنة؟ عظيم! لكن لا تنسى أن تذكر أيضاً أنّك حتى تصل إلى هذا الإنجاز نافست أكثر من 70 مدير تنفيذي في نفس المنطقة لنفس المنتج، وقد حصلت على أعلى النتائج.
هل نجحت في تقديم نظام جديد من العلاقات للتعامل مع العملاء؟ تأكد أن تذكر أنّك نجحت في تقييم المنصات المتعددة لهؤلاء العملاء، واخترت النظام الأكثر مناسبة لاحتياجات الشركة، ونجحت في التفاوض وتوقيع العقود المهمّة مع أكثر من 10 شركات كبيرة في مجال عملكم.
هل حصلت مثلاً على جائزة الجودة والمقاييس؟ هذا إنجاز رائع جدّاً وإضافة مميزة للشركة، ولكن عليك أن تذكر تفاصيل هذه الجائزة كأن تقول: “الحصول على جائزة الشرق الأوسط للجودة والمقاييس، وهي جائزة تمنح للشركات عن الإنجازات الخاصة بتطبيق أحدث أنظمة التكنولوجيا بناء على الإدارة الحديث، وبالتالي المساهمة في نمو الاقتصاد الوطني”.
تقييم إنجازاتك سيكون أفضل بكثير في حال استطعت أن تسلّط الضوء أكثر على طبيعة هذا الإنجاز، ومدى نجاحه في تحقيق أهداف الشركة. الهدف هنا خلق قصة قصيرة و “حبكة مميزة” لإنجازاتك المهنيّة، والتي تساعد مسؤول التوظيف على الترويج لك واختيارك مرشح أمثل.
- هل أضفتُ مقاييس ملموسة لمساعدتي في تسليط الضوء على نجاحاتي؟
إنّ إبراز مقياس نجاحك في تحقيق الأهداف والإحصاءات المهمّة المتعلقة بوظيفتك لا يكون إلّا بإثباتها بذكر الأرقام، والنتائج، والحقائق، بحيث تكون واضحة لكلّ من يقرأ سيرتك الذاتيّة. قدرتك على توصيل مقياس النجاح الذي أنجزته بلمحة سريعة يساعد مسؤول التوظيف على ترشيحك لتكون الموظف الأمثل للوظيفة الشاغرة.
على سبيل المثال، إذا نجحت في تخطي الأرباح الشهرية المتوقعة، يمكنك أن تذكر أنّ حصة المبيعات تجاوزت الـ 40% عن الرقم المتوقع. وإذا استطعت أيضاً أن تخفض تكاليف الإنتاج، والوصول إلى نتائج نهائية أفضل بما يساعد الشركة على تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح، كن واضحاً في ذكر الاستراتيجية التي اتبعتها لتحقيق هذا الهدف.
لا تكتفي بذكر نجاح الهدف فقط كأن تقول: “إعادة تصميم الموقع الإلكترونيّ”، وإنّما عليك أن تقول: “إعادة تصميم الموقع بوقت أقصر بأسبوعين من الوقت المتوقع، وتخفيض التكاليف بما يصل إلى 15,000$.
وكمثال عمليّ آخر؛ فلو نجحت في زيادة مبيعات المنتج الخاصة بشركتك بسبب تغيير الغلاف مثلاً عليك أن تقول: “زيادة أرباح الشركة بنسبة 60% نتيجة إعادة تصميم غلاف المنتج وزيادة إقبال المستهلكين عليه، دون الحاجة لإحداث تغيير جذري في استراتيجية إنتاج المنتج نفسه”.
- هل استطعتُ أن أسلّط الضوء على “مفتاح” إنجازاتي؟
خصّص إنجازاتك التي نجحت بتحقيقها من خلال “مفتاح الإنجازات”، المفتاح هنا يقصد به العنوان الرئيس لكلّ إنجاز، والذي ستسرد فيما يليه الأمور التي نجحت بإنجازها في كلّ هدف، لا سيّما إذا كان يصعب عليك إعداد قائمة طويلة من الإنجازات لكلّ وظيفة شغرتها سابقاً.
فإنّ الخدعة هنا تكمن في تسليط الضوء على الإنجازات دون الحاجة للتغيير كثيراً في سيرتك الذاتيّة كل مرّة تقدّم فيها لوظيفة. ضع “مفتاح الإنجازات” أو العناوين الرئيسة بخط عريض وواضح، واذكر فيها أهمّ إنجازاتك مع دعمها بالأرقام؛ على سبيل المثال: “خلق نظام فوترة جديد، ممّا أدى إلى انخفاض نسبة التأخير في الدفع إلى 10%”.
المقصود هنا أنّه عليك أن تركّز أكثر على المهام والإنجازات الكبيرة التي قمت بها، دون الحاجة للتركيز على مسؤولياتك اليومية التي تنجزها خلال عملك اليوميّ، سأذكر هنا مثالاً لتوضيح الفكرة أكثر:
أمر عظيم أن تدير الصفحة الخاصة بشركتك على موقع “تويتر”، ولكن الإنجاز الأهمّ أن تذكر أنّك استطعت مضاعفة عدد المتابعين للصفحة مثلاً، منذ الوقت الذي استلمت فيه كتابة التغريدات ووضع جدول معيّن لذلك.
مثال آخر: هل صممت برنامجاً تدريبياً لشركتك التي تسعى لتطبيق العمل من خلال برنامج حاسوبي جديد؟ هذا أمر رائع، ولكن الأفضل أن تذكر أنّ هذا البرنامج التدريبيّ ساعد في زيادة استخدام البرمجة بنسبة (90%) لدى العملاء، هذا سيلفت نظر مسؤول التوظيف أكثر بالطبع، ويظهر أهميّة الإنجاز الذي حققته.
سأسهّل الأمر عليك أكثر، إذا كنتَ لا تزال مرتبكاً بمعرفة الفرق بين كتابة المسؤوليات وكتابة الإنجازات؛ اتبع الخطوات التالية:
- ميّز الفرق بين “المسؤولية” و “الإنجاز”، الأمثلة السابقة ستساعدك على فهم الفرق أكثر.
- أعدّ قائمة طويلة للمقارنة بين مسؤولياتك في وظيفة ما، والأمور المهمة التي نجحت في تحقيقها من خلال التزامك بهذه المسؤوليات؛ ألا وهي “الإنجازات”.
- أضف الأرقام لكل إنجاز قمت بتحقيقه والنجاح به.
- أضف الفوائد العائدة على الشركة من هذا الإنجاز.
فلتعلم أنّ تسليط الضوء على ميزاتك، واختيار العبارات الأفضل للتعبير عن إنجازاتك أكثر ما قد يجذب مسؤول التوظيف لسيرتك الذاتيّة ليختارك بين مئات من المتقدمين للوظيفة. كتابة الأمور المهمّة كالنتائج، والأرقام، ومفتاح الإنجازات؛ هي الأمور التي تساعد مسؤول التوظيف على أخذ الصورة الكاملة عن السيرة الذاتية دون الحاجة للتعمق فيها أو قراءتها أكثر من مرّة.
فإنّ نجاحك في تسليط الضوء على “نفسك” وقدرتك على تعريفهم بمن أنت هو ما سيساعدك فعليّاً في اختيارك للمقابلة، الثواني الست التي يمنحك إيّاها مسؤول التوظيف ثوانٍ فاصلة في حياتك المهنيّة، لا تذكر فيها الأمور الروتينية التي تقوم بها في وظيفتك الحاليّة، فإنّ هذا لا يهمه فعليّاً، إنّما يهمه أن يجد في “قصتك المهنيّة” الشخصية الرئيسة التي ستلعب دوراً مهمّاً في تحقيق أهداف الشركة بما يتناسب مع خبراتك ومؤهلاتك.
لا تنسى أنّ عملك المجدّ وسعيك الدؤوب، هو ما سيظهرك بأبهى صورة، فكّر مليّاً في عناصر صورتك الفنيّة، واعرضها بأجمل شكل وأبهاه، اخطف أنظار المسؤول بانتقائك أفضل العبارات.