تخيّل نفسك تجلس في غرفتك وحيداً تفكّر في مستقبلك وتتأمل الخطّة التي تحاول أن تضعها لحياتك المستقبليّة، وأحلامك التي تطمح إليها، والكثير من الأمور التي عليك التخطيط لها لتصل إلى النجاح الذي تسعى إليه.
الأمر ليس بهذه الصعوبة كما تتخيّل، وإنّما التخطيط الجيّد واتباع النصائح الجوهريّة في تخطيط مسار حياتك المهنيّة سيساعدانك في اختيار المسار الأنسب لك بما يتناسب مع طموحاتك وطبيعة شخصيتك أيضاً.
في هذا المقال سنقدّم لكَ عزيزي القارئ عشر نصائح مهمة تساعدك في رسم الخطة الأفضل لمسارك المهنيّ الوظيفيّ. ولكن عليك بدايةً أن تحدّد مفهومك الخاصّ للنجاح؛ فماذا يعني لكَ النجاح؟ وما هو نمط الحياة الذي تسعى إليه؟ وما هي مبادئك وقيمك المهنيّة التي لن تتخلّى عنها؟
إجاباتك الأفضل لهذا السؤال سيترتب عليها تحديد جزء من مسارك المهنيّ الذي تبحث عنه، فأنت تبحث عن وظيفة تشعر بسعادة غامرة خلال وقتك الذي تقضيه فيها؛ كن ذكيّاً في خياراتك فأنت لا تريد أن تقضي ساعات طويلة من يومك في عمل لا تحبه!
النصيحة الأولى: حدّد شغفك
فكّر في الأمور التي تحفّزك وتشعر أنّها تزيد طاقتك بشكل رهيب، فكّر في الأمور التي تشعر بأنّك تجد نفسك بها وتشعر بالسعادة البالغة وأنت تفعلها، وهذا ما يعني “الشغف”. فالشغف في أمر ما والشعور بسعادة بالغة خلال إنجازه يعني أنّك ستكون سعيداً إن كان هذا عملك وتعيش حياة كاملة وأنت تفعله.
النصيحة الثانية: حدّد ما تجيد عمله
الشغف في أمر ما وحده لا يكفي، فكثير منّا يحّب مثلاً أن يكون رسّاماً ولكنّه لا يجيد الرسم؛ وكذلك الأمر بالنسبة للوظائف الأخرى. بعد تحديدك لقائمة الأمور التي تحبّ عملها، حدّد أكثر ما تجد أنّك تبرع فيه ويمكنك أن تكون مميّزاً به. فكّر أكثر فيما يناسب شخصيتك، هكذا ستتقلص قائمتك الطويلة قليلاً.
لا تستطيع أن تحصر قائمتك كثيراً؟ إليكَ هذه النصيحة؛ حاول أن تتذكر مشاعرك وأحاسيسك التي تخالجك أثناء أدائك لعمل تحبه، اكتب مشاعرك المختلطة التي تذكرها، فإن وجدت أنّ هناك عمل وحيد تشعر بطاقة كبيرة من الحماس والسعادة والمشاعر الإيجابيّة فإنّ هذا العمل حتماً هو الأفضل لك.
النصيحة الثالثة: التدريب العملي
التدريب العمليّ خلال فترة دراستك الجامعيّة أو حتى بعد إنهائها سيساعدك بشكل كبير في تحديد الوظيفة الأنسب لك بما تجد أنّه الأفضل، فمثلاً قد تعتقد أنّك تحب أن تتخصص في وظيفة ما وعند التدريب العمليّ تجد أنّ الأمر ليس كما تعتقد، هذه الفرصة الذهبيّة ستكون دليلاً لك في تحديدك لمسارك الوظيفيّ وزيادة تركيزك على الوظيفة الأنسب لك.
ابذل قصارى جهدك في أن تحصل على خبرتك العمليّة البسيطة خلال دراستك الجامعيّة ولا تضيّع هذه الفرصة، فأنت على كلّ حال لن تخسر شيئاً؛ التجربة كما نقول خير برهان، وبالتجربة ستحدّد أكثر ما تحب وترغب، وستستطيع أن تكوّن تصوّر أوّلي عن حياتك المهنيّة.
النصيحة الرابعة: اتخذ قدوتك المهنية مثالاً واستعن به
اختر شخصاً ترى فيه قدوتك المثالية في عمله ونجاحه، والذي تعرف أنّه سيكون ساعدك الأيمن ويوجهك في تحديد مسارك الوظيفي بالشكل الأنسب والأفضل، اختر شخصاً تعرف أنّه سيرفعك في حياتك المهنيّة بنصائحه وخبراته وتعليماته، اختر شخصاً يستحق أن يكون بوصلتك السحرية في تحديد وظيفتك التي تطمح إليها.
النصيحة الخامسة: اكتشف مهنتك الخاصّة
المهنة الخاصة هنا نقصد بها “هوايتك” أو عملاً غير معتاد؛ فالمهنة الخاصة هنا لا نقصد بها الطب، أو المحاماة، أو التعليم، أو الهندسة بكلّ أنواعها، أو غيرها من الوظائف التقليديّة التي يختارها الناس.
قد تكون بارعاً في عمل أمر ما، وخلال قراءتك لهذا المقال وجدت أنّ هناك أمر وحيد لديك شغف كبير به، فكّر في تحويره ليكون عملك الخاص الذي يدرّ دخلاً عليك، مثلاً إن كنتِ فتاة وتحبّين “التطريز” بإمكانك عمل مشروعك الخاصّ والإبداع به، وإن كنتِ مثلاً تحبّ إعداد الحلويات وخبز الكعكات الجميلة، بإمكانك عمل مشروعك الخاص بك، والتفنّن في إعداد أشهى أنواع الكب كيك مثلاً. تقول هيلين كيلر: الحياة إمّا أن تكون مغامرة خاصّة أو لا شيء.
النصيحة السادسة: استخدم معادلة GVP
هذه المعادلة يقصد بها: Gifts القدرات + المبادئ والقيم + الشغف؛ إنّ فهمك الصحيح لهذه المعادلة واعتمادك عليها أساساً في تقرير وظيفتك المهنيّة يعتبر مفتاحاً رئيساً للنجاح في عملك.
لتحديد الإجابة الصحيحة لهذه المعادلة عليك أن تجيب عن كلّ سؤال مرتبط بهذه العناصر الثلاثة؛ فتحديد “القدرة” يجب أن يكون بإجابتك عن السؤال: “ما هي قدراتي ومهاراتي الخاصّة بي وما هي نقاط قوتي وضعفي؟”. أمّا تحديد قيمك ومبادئك فإنّ السؤال الذي يجب الإجابة عليه هو: “ما هي المبادئ والقيم التي أريد اعتمادها في حياتي وما هي المبادئ المرفوضة تماماً؟”، وأمّا أخيراً فتحديد شغفك يكون بإجابتك عن السؤال: “ما هو الإنجاز الذي يهمني في حياتي؟ “.
الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة وتحديد جواب كامل خاص بهذه المعادلة يساعدك بشكل كبير في تحديد الوظائف والمسار المهنيّ الذي تريده، كما ويساعدك في الحياد تماماً عن المسار الذي لا ترغب فيه أبداً.
فعلى سبيل المثال، إن كنتَ تطمح إلى أن تكون مسؤولاً في مواقع التواصل الاجتماعية (Social Media Marketing)، فعليك أن تسأل نفسك أوّلاً إن كنتَ تمتلك هذا الشغف والحبّ للتعامل مع الناس من خلال هذه الوسائل بالإضافة إلى حبّك لمشاركة أفكارك وصورك الخاصّة، وإن كانت لديك القدرة على تقبّل أفكار الناس وقيمهم وانتقاداتهم، وعليك أيضاً أن تحدّد الإنجاز الذي تطمح لتحقيقه من خلال عملك في هذا المجال، أمّا أخيراً فعليك أن تضع قائمة بالمبادئ والالتزامات التي تضعها نصب عينيك عند التزامك بهذا العمل، كأن تحدّد الأخلاقيّات العامّة للتعامل مع الناس وعدم الحديث في السياسة على سبيل المثال لا الحصر.
النصيحة السابعة: ضع خطتك الخاصة
بعد أن تحدّد في قائمتك المسار الوظيفي الذي ترغب فيه بعد تقليص كل الاحتمالات لتصل إلى جواب واحد؛ عليك أن تضع خطة أساسية للبدء في تنفيذها، وعليك أن تضع أيضاً خططاً بديلة ووسائلاً مساعدة في حال لم تنجح الخطة الأساسيّة، كما وعليك أن تضع وسائل تقييم لقياس مدى نجاحك وتقدمك بحسب الخطة.
فعدم النجاح من المرة الأولى لا يعني الفشل، وإنّما الاستسلام هو الفشل الحقيقيّ. يقول توماس أديسون: “الكثير ممّن فشلوا لم يدركوا مدى قربهم من النجاح عندما استسلموا”.
النصيحة الثامنة: تجنّب الأخطاء التي يقع فيها الكثير
كثيرون هم من لا يتعلمون من أخطاء غيرهم، عليك أن تدرك جيّداً أنّ الكثير من الناس يخطئون في تحديد مسارهم الوظيفيّ، كأن يتركوا الخيار مثلاً لأهلهم وخصوصاً الوالدين الذي يشكّلون تصوّراً خاصّاً بهم لما يريدونه لأبنائهم، والذين يرون أنّ الولد مثلاً يجب أن يسير على خطى أبيه، هذا الأمر خاطئ تماماً؛ فمهنة أبيك ليست بالضرورة الأنسب لك. وكذلك أصدقاؤك لا تتأثر بهم عند اختيارك لحياتك المهنيّة، شغفهم وإجادتهم لأمور تختلف عنك أنت، طموحاتهم تناسبهم ولا تناسبك أنت؛ لا تختر التعاسة بيديك.
لا تتسرّع في اتخاذك لهذا القرار المهمّ في حياتك، فلا تنسى أنّك ستمضي عمراً في هذه الوظيفة، ولا تستعجل في اتخاذ قرار إلّا بعد دراسة كلّ نواحيه، استشر أهل الخبرة وخذ الحكمة منهم ثمّ اتخذ قرارك. اتخذ قرارك النهائيّ بعد أن تكون قد درست كل الخيارات المطروحة بكافة جوانبها، وقد قلصت قائمتك الطويلة لخيار أفضل ووحيد.
استعن بالله عزّ وجل؛ عليك أن تكون على يقين تامّ بأنّ نجاحك في حياتك وتوفيقك لا يكون إلّا من الله سبحانه وتعالى، يمكنك أن تبذل جهداً كبيراً لتحقيق مبغاك لكنّ توفيق الله ورضاه سيكون سلاحك السريّ في حمايتك من شر الخلق، وضعف النفس، والاستسلام للحياة ومشاكلها وتحدياتها. راعِ حقّ الله في اختيارك للوظيفة التي تريدها، وابتعد عن العمل المحرّم حتى وإن كان يتوافق مع رغباتك، فإنّ الرزق الحلال والعمل الحلال سببٌ في النجاح والتفوّق والتميّز في أيّ وظيفة كانت.
النصيحة التاسعة: حدّد رسالتك في الحياة
فإنّ الوظيفة والحياة المهنيّة يجب أن لا تقتصر أبداً على الدخل والمنصب فقط، وإنّما يجب أن تكون صاحب رسالة وهدف، وأن تهدف إلى مساعدة الناس وتحقيق الخير من خلال الوظيفة، فوظيفتك الوسيلة التي تساعدك في تحقيق “غايتك”. اسعَ لخدمة بلدك، ودينك، ومعتقداتك، واربط نجاحك بنجاح غيرك، ولا تكن أنانيّاً أو برجوازيّاً، هذا سيعطي لنجاحك وعملك نكهة أجمل وسعادة أكبر.
لو كنتَ اخترت مهنة التعليم مثلاً، اجعل هدفك في الحياة تربية أجيال المستقبل ليكونوا سواعد الوطن، ضع بصمتك في قلب كلّ طالب علمته، اجعل نفسك معلّماً لا تُنسى، واترك أثراً. يقول ستيف جوبز: “نحن هنا لكي نضع بصمتنا في هذا الكون، وإلا ما فائدة مجيئنا إليه!”.