“جيروم” شخص يائس، يذهب إلى وظيفته المكتبية التي يعمل فيها يومياً منذ 4 سنوات حتى الآن، ويبدأ عمله في التاسعة صباحاً، ويجري المكالمات مع العملاء حتى الساعة 12 ظهراً، ثم يأخذ استراحة غداء لمدَّة نصف ساعة، يتبعها اجتماع مع الفريق، ثم يعود لإجراء المكالمات مع العملاء حتى الساعة الخامسة عصراً.
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب جليب تسيبورسكي (Gleb Tsipursky)، والذي يُحدِّثنا فيه عن طريقة التغلب على الرتابة التي نشعر بها في وظائفنا.
تمرُّ أيامه وهو عالق في الوظيفة نفسها والروتين ذاته، والشعور الطاغي بالخواء العميق بداخله، ولا يعرف لماذا يفعل ما يفعله؛ فهو لا يشعر بأي مغزى من أي شيء في حياته؛ ورغم أنَّ وظيفته جيدة وتسدِّد نفقات معيشته، لكنَّه لا يشعر بالسعادة إطلاقاً، بل يشعر بالكثير من التشتُّت الذي يقلِّل من تقييمات أدائه، فيبقى قلقاً من إقالته من العمل؛ لذا قرر البحث عن استراتيجيات للشعور بالمغزى والهدف من العمل الذي يقوم به، فبدأ تعلُّمَ الاستراتيجيات العلمية وتطبيقها في مكان عمله، لكن ما هي هذه الاستراتيجيات؟
- تكوين روح وروابط اجتماعية من خلال عملك:
تشير العديد من الدراسات إلى أنَّ الروابط الاجتماعية تسهم بقوة في الشعور بالمغزى والهدف في الحياة، كما تُبيِّن المؤلفات العلمية أنَّ هذا لا ينطبق على العمل فحسب، بل وعلى أي مجال آخر من مجالات الحياة. سأضرب مثالاً على عملي: في دوري الشخصي في شركة “الرؤى العالمية” (Intentional Insights)، أسعى جاهداً إلى خلق فرص للتفاعل مع زملائي المشاركين في المشروعات والتعاون بطرائق إيجابية وداعمة؛ حيث يعدُّ التعاون في المشروعات المثيرة لاهتمام الطرفين بطريقة إيجابية إحدى الطرائق لبناء الروابط الاجتماعية في مكان العمل، فضلاً عن الحرص على إجراء اجتماعات منتظمة مع الموظفين للتحدُّث عن موضوعات لا تتعلق مباشرة بعملنا المشترك، ولكن بأمور أخرى تحدث في حياتنا.
يساعد القيام بذلك على إثراء العلاقة المهنية وتحويلها إلى علاقة أعمق وذات مغزى، حيث يشعر كل شخص بدعم الآخرين له؛ وعلى نحو مماثل، أنظِّم أحياناً مناسبات اجتماعية يمكن لجميع الموظفين فيها التجمُّع والتواصل مع بعضهم بعضاً، خاصة للاحتفال بالإنجازات التنظيمية الهامَّة؛ وعلى غرار ما أفعله، اعقد اجتماعات مع زملاء العمل، وتحدَّث عن الأشياء المتعلقة بالحياة ككل. بينما يعمل العديد من الأشخاص من المنزل، قد توفِّر مكالمات الفيديو الجماعية فرصة للتعاون في مشروعات العمل والتحدُّث عن الموضوعات الأخرى غير المتعلقة به.
- خدمة الآخرين من خلال عملك:
تكشف العديد من الدراسات أنَّ تقديم الخدمة الاجتماعية للآخرين يُعدُّ أحد الركائز الأساسية لخلق مغزى وهدف أكبر في الحياة، كما وجدت الأبحاث التي أُجرِيت على مكان العمل تحديداً أنَّ المفهوم نفسه الذي ينطبق على العمل ينطبق على أي مجال آخر أيضاً؛ لذا نُعَدُّ أنا وزملائي محظوظين، إذ تتوجه المنظمة بطبيعتها نحو مساعدة جمهورنا على عيش حياة أفضل؛ وبالإضافة إلى ذلك، يُعدُّ تدريب وإرشاد بعضنا بعضاً أحد مبادئنا الأساسية، ممَّا يبني الروابط الاجتماعية ويخدم الآخرين. إنَّه لمن الهام أيضاً التفكير في كيفية مساعدة الآخرين لعيش حياة أفضل؛ وللقيام بذلك، أجمع أنا وزملائي الآخرين في الشركة اقتباسات من رسائل البريد الإلكتروني وتعليقات المدونة والمصادر الأخرى التي يُعرِب الأشخاص فيها عن امتنانهم للمؤسسة لمساعدتهم، ومشاركتها مع بعضنا بعضاً؛ فأنا أؤيِّد ثقافة العمل التي تُبرِز الإنجازات المشتركَة ونحتفي بمساعدة جمهورنا على تحسين حياتهم.
لنفترض أنَّك تعمل في وظيفة لا تخدم الآخرين مباشرة، فماذا تفعل؟ لا تقلق، إذ تساعد كل وظيفة شخصاً ما على نحوٍ ما؛ لذا فكِّر فقط في القيمة الاجتماعية التي تقدِّمها، ودوِّن هذا الموضوع، واجمع أي تغذية راجعة إيجابية من الآخرين حول عملك، واتخذ الخطوات اللازمة للحصول على مثل هذه التغذية الراجعة؛ ذلك لأنَّ بعض أماكن العمل لا تمتلك أنظمة مثالية لتقديمها.
لا تطلب مجاملات مباشرة، ولكن اطلب من الناس تغذية راجعة صريحة لأدائك وتقييماً لنقاط قوتك وضعفك، وابحث أيضاً عن الفرص الرسمية وغير الرسمية لدعم وتدريب الآخرين في مكان عملك؛ كما عليك التحقُّق ممَّا إذا كان مكان عملك يُقدِّم مشروعات خدمية، مثل التطوع لبناء المنازل أو تقديم الطعام للفقراء.
يمكنك التبرُّع أيضاً بجزء من راتبك للجمعيات الخيرية، حيثُ يقدِّم العديد من أرباب العمل مساهمات مماثلة، وقد تساعدك هذه المشاركة المجتمعية في إيجاد مغزى وهدف أكبر في عملك من خلال خدمة الآخرين خارج السياق المباشر لعملك؛ ولتعزيز إحساس عميق بالهدف من الحياة، احتفظ بدفتر يوميات ودوِّن فيه التأثير الإيجابي الذي تركته في الآخرين.
- ماذا لو لم يرد مديري القيام بأنشطة خلق المغزى في العمل؟
لا يُدرِك بعض المديرين حتى الآن الفوائد التي تعود على صحة الموظف النفسية والجسدية التي تأتي من الإحساس بالمغزى والهدف في عمله؛ لذا أقترح عليك التحدُّث معهم حول هذا الموضوع؛ وإذا كانت حجة العافية العقلية والجسدية للموظفين غير مقنعة بالنسبة إليهم، أقترح عليك إحضار بحث حول كيفية مساهمة إنشاء مكان عمل هادف في زيادة الأرباح النهائية للشركات المعروفة، وحاول أيضاً لفت انتباه قسم الموارد البشرية والمسؤولين ذوي المناصب العليا إلى هذا البحث إذا كان مديرك المباشر غير متعاون.
لكن بغض النظر عمَّا يفكِّر فيه مديرك، فإنَّ قدراً كبيراً من هذه الأنشطة يقع تحت سيطرتك؛ لذا كُن قوي الإرادة وتذكَّر أنَّك تعمل من أجلك لا من أجل أي شخص آخر، وأظهِر للشركة ما تريده من عملك والإحساس بالمغزى والهدف في الحياة، وحاول مشاركة هذه المقالة مع زملائك في العمل ومديريك إذا كنت تعتقد أنَّهم سيستفيدون من قراءتها.
- أسئلة يجب أخذها في عين الاعتبار:
هل تتبع بالفعل أيَّاً من هذه الأمور لخلق المغزى في مكان العمل؟ إذا كان الأمر كذلك، فماذا تفعل؟ وكيف استفدت منها للشعور بالمغزى والهدف؟ وإذا لم يكن كذلك، فأي الأمور أقل أهمية من وجهة نظرك؟ كيف أثَّرت قراءة هذا المقال في طريقة تفكيرك بصورة مختلفة حول إيجاد المغزى والهدف في مكان العمل؟ وما الذي استقدته منه؟ هل تنوي اتِّخاذ خطوات محدَّدة لاكتساب مغزى وهدف أكبر من عملك بعد قراءة هذا المقال؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي تنوي فعله؟ ما نوع الفائدة التي اكتسبتها من قراءة هذا المقال، وكيف يمكن لهذه المعلومات أن تحسِّن حياتك؟
- أجرِ التغيير الذي تريده الآن:
الآن، هو الوقت المناسب لتحقيق أهدافك؛ فإن لم تتَّخذ أي إجراء الآن، فقد لا تصل إلى هدفك المنشود أبداً.