تجلس أحياناً على مكتبك لإنجاز بعض الأعمال، فتفتح برنامج الوورد (Word) أو أي برنامج تعمل عليه لتكتب بضع كلمات، ثم تشعر بالإجهاد وانعدام التركيز؛ فتقرر حينها أخذ قسط من الراحة على أمل استعادة تركيزك؛ فتفتح فيسبوك (Facebook)، ثم يوتيوب (Youtube)، وتمر الساعة تلو الأخرى؛ لتتفاجأ في نهاية المطاف أنَّ موعد الغداء قد حان، وأنَّ نصف اليوم قد ضاع هباءً.
هل يبدو هذا مألوفاً بالنسبة إليك؟ وهل تعاني من ضياع الوقت سدى؟
حسناً، كل ما عليك فعله هو التركيز على إنهاء هذه المقالة لمعرفة كيفية التخلُّص من مشتتات الانتباه والحفاظ على تركيزك؛ ولكن قبل الانتقال إلى النصائح، إليك بعض الملاحظات الهامة التي عليك معرفتها:
يُعدُّ تجنُّب تشتت الانتباه أمراً صعباً: يعاني معظمنا من تشتت الانتباه، وليس من السهل على الجميع الاستمرار في التركيز في أثناء العمل على مَهمَّة تستغرق ساعات، إلَّا أنَّ بعض الأشخاص قادرون على القيام بذلك؛ والسؤال هنا هو: لماذا لا يمكنك الحفاظ على تركيزك مثلهم؟
أنت لم تتعلم كيفية التركيز مطلقاً: إنَّه لمن المؤسف أنَّنا لم نتعلم طوال أيام دراستنا كيفية التعلُّم والتركيز؛ ورغم كثرة ما تعلَّمناه، ما زلنا لا نعرف كيفية التركيز على التعلُّم أو تطبيقه تطبيقاً صحيحاً.
لك حرية اختيار الوسائل التي تساعدك في زيادة قدرتك على التركيز: بما أنَّ لكلٍّ منَّا طرائقه الخاصة في الحفاظ على تركيزه، فالأمر متروكٌ لك أيضاً لإيجاد الطرائق المناسبة لزيادة قدرتك على التركيز؛ وهذا هو الغرض من هذه النصائح، وذلك حتى تتمكن من الحفاظ على تركيزك والبقاء على المسار الصحيح.
فلنبدأ دون مزيدٍ من الإطالة:
- ضع رؤيتك وأهدافك في الاعتبار:
فكَّر في الأولويات أولاً: لماذا تحتاج أساساً إلى التركيز؟ هل تريد أن تصبح عازف جيتار ماهراً؟ أم تريد كتابة رواية؟ أم تريد أن تبدأ العمل من المنزل؟ فكِّر في الأمر؛ إذ تساعدنا معرفة سبب احتياجنا إلى التركيز على المضي قدماً في تنفيذ الأهداف الصعبة والمملة، وتعزيز قدرتنا على التركيز عندما نكون في أمسِّ الحاجة إليها.
- نظِّم يومك بالتركيز على مَهمَّتين أو ثلاث مهمات هامة فقط:
إذا كنت تعمل على تنفيذ 20 مَهمَّة يومياً، فأنت تعرف أنَّ ذلك سيدمر قدرتك على التركيز، ولن تتمكَّن من تنفيذ هذه المهمات ببراعة على الإطلاق؛ لذا يتعين عليك تقسيم المهمات ذات الأولوية على أيام الأسبوع. ركِّز على أداء مَهمَّتين أو ثلاث مهمات فقط في اليوم، وليس أكثر من ذلك؛ إذ كل ما ينبغي عليك فعله هو اتخاذ خطوات نحو تحقيق أهدافك، فالسير ببطء أفضل بكثير من الاستسلام الناتج عن محاولة القيام بالكثير من الأمور دفعة واحدة.
- نفِّذ هذه المَهَمَّات في أقرب وقت ممكن:
للتأكُّد من إنجاز المهمات التي حددتها، عليك تنفيذها في وقتٍ مبكر؛ أي خطِّط لكيفية تنفيذها بمجرد أن تستيقظ؛ لذا استيقظ، وتناول وجبة الإفطار، وأنجز مهماتك. قد يكون هذا مستعصياً، ولكنَّ الانتظار للقيام بما تريد يزيد من فرص التشتت والإلهاء؛ إذ تظهر مشتتات انتباه أخرى، وتستنزف حماسك وقوة إرادتك؛ ممَّا يجعل العمل على تحقيق أهدافك أكثر صعوبة؛ لذلك لا تنتظر وقتاً معيناً للعمل على أهدافك، بل نفذها في أقرب وقت ممكن.
- ركِّز على كل جزء صغير من عملك على حدة:
هناك طريقة سهلة للغاية لإضعاف تركيزك تماماً، وهي أن تحدد هدفاً كبيراً جداً وتبدأ العمل عليه كما هو؛ إذ يستغرق تحقيق معظم الأهداف من بضعة أسابيع إلى عدة أشهر على أقل تقدير، وقد يتسبب إدراكك لهذا الأمر بالشعور بأنَّ أهدافك لن تتحقق أبداً، أو ستتحقق بعد وقت طويل؛ ممَّا سيؤدي إلى أحد أمرين: أن تُصاب بالإحباط نظراً إلى صعوبة تحقيق الهدف، أو أن تستمر في تخيل كيف يمكنك تحقيقه دون أن تفعل أي شيء. سيقل تركيزك في كلا الحاليتين، وتشعر بالرهبة عند التركيز على الصورة الكبرى أو التخيل الشامل للهدف؛ فماذا يجب أن تفعل إذاً؟
ركِّز على إنجاز جزء صغير من عملك في كل مرة، فعلى سبيل المثال: ما الذي يبدو أسهل؟ كتابة 200 كلمة يومياً، أم كتابة جملتين كحد أدنى؟ ممارسة 20 تمرين رياضي يومياً، أم تمريناً واحداً كحد أدنى؟ الكلمة المفتاحية هنا هي “الحد الأدنى”، والذي قد تتخطاه بسهولة؛ ولكن مع مرور الوقت، سيزيد الحد الأدنى هذا تدريجياً، وتتمكَّن من تحسين قدرتك على التركيز على المهمات الأكبر.
- تخيَّل نفسك وأنت تعمل:
قد تؤذيك تقنيات التخيل أكثر ممَّا تنفعك أحياناً؛ ولكن هناك طريقة مناسبة لاستخدامها، وهي تخيُّل نفسك تعمل بالفعل. يستخدم العداؤون الأبطال هذه التقنية لتحقيق تأثيرٍ كبيرٍ من خلال التخيل العكسي؛ أي يتخيلون أنفسهم يفوزون أولاً، ثم يتصرفون بناءً على هذا، ويستشعرون ويتخيلون كلَّ خطوةٍ حتى البداية؛ لذا فالطريقة الأسرع والأقرب لتطبيق ذلك هي تخيل نفسك تقوم بجزءٍ صغيرٍ من المَهمَّة المطروحة.
على سبيل المثال: إذا كنت تريد ممارسة العزف على الجيتار، ولكنَّ جيتارك في الجانب الآخر من الغرفة (دعنا نفترض أقصى قدر من الكسل في هذا المثال)، فماذا يجب أن تفعل؟ تخيَّل نفسك وأنت تقف؛ وإذا تخيَّلت ذلك حقاً، وشعرت بفعل الوقوف، فسيكون التصرف بناءً على هذا الشعور سهلاً. كرِّر هذه العملية مع كل خطوة حتى تصل إلى الجيتار وتعزف عليه؛ إذ تساعدك عملية التركيز الشديد على كل خطوة في صرف انتباهك عن عدم رغبتك في القيام بشيء ما، وتجعل التخيلات جسدك على استعداد لكل خطوة ترغب في القيام بها. كل ما عليك القيام به هو تطبيق هذه العملية على كل ما تحتاج إلى التركيز عليه، والبدء بأصغر خطوة تحتاج إلى القيام بها فحسب.
- تحكَّم بمصادر الإلهاء الداخلية:
تُعدُّ المشتِّتات الداخلية واحدة من المشكلات التي لا يمكنك الهروب منها؛ إذ ينبغي عليك إيجاد طرائق لتهيئة عقلك للعمل، وطرائق بسيطة لمنعه من الشرود في الأفكار غير الضرورية. من الطرائق الجيدة لتهيئة عقلك للعمل أن يكون لديك مساحة عمل مخصصة؛ ذلك لأنَّك عندما تعمل في مكانٍ معيّنٍ بصورةٍ دائمة، يربط عقلك هذا المكان بالأفكار المتعلقة بالعمل؛ ولهذا السبب نفسه، احرص على مغادرة مكان العمل عند أخذ قسطٍ من الراحة، لكي تسمح للأفكار بالتدفق داخل عقلك بحرية بعيداً عن العمل. كما أنَّ المواعيد النهائية مفيدة أيضاً في هذا الصدد؛ فهي تساعدك على منع عقلك من الشرود، والتركيز على المهمات لإنجازها بحلول الموعد النهائي.
في النهاية، يدور إسكات تلك الأفكار غير المرغوب فيها حول الحصول على بعض الانتباه؛ لذا بدلاً من التركيز على الأفكار الداخلية، ركِّز على إنجاز شيءٍ ما؛ وبمجرد القيام بذلك، ستتمحور كل أفكارك حول إنهاء مَهمَّتك.
- تخلَّص من مصادر التشتيت الخارجية:
هذه النصيحة واضحة ومباشرة، تجنَّب الأشياء التي تشتت انتباهك فحسب؛ فإذا كان التلفاز يشتت انتباهك، فاعمل في غرفة أخرى أو أطفئه؛ وإذا كان الأطفال يلهونك عن العمل، فاستيقظ مبكراً، واعمل قبل استيقاظهم؛ والشيء نفسه بالنسبة إلى الإنترنت والهاتف وكل مشتتات الانتباه الأخرى. عادة ما تكون هذه النصيحة واضحة وبديهية بالنسبة إليك، ولكن يتعين عليك عدم إغفالها أو التغاضي عنها.
- تخطَّ ما لا تعرفه:
إذا واجهتك مشكلة في عملك، فتخطَّها، وعُد إليها لاحقاً، وركِّز انتباهك على ما يمكنك القيام به، ولا تكترث لما يعيقك؛ ويعني هذا أنَّ عليك التركيز على الأجزاء السهلة أولاً. في النهاية، يمكنك العودة إلى الأجزاء الأكثر صعوبة، إذ لربَّما تكون قد اكتسبت حماسة كافية، فلا يتشتت تركيزك في أثناء العمل عليها.
- حسِّن انضباطك من خلال ممارسة التركيز:
هناك بعض تمرينات التركيز التي يمكنك القيام بها لتحسين انضباطك العام، ومنها:
التأمُّل: يُقصَد به ممارسة التركيز؛ فأنت تجلس دون فعل أي شيء حرفياً؛ وإنَّها طريقة رائعة لبناء القدرة على التركيز، والتخلص من التوتر، ومنحك مزيداً من السيطرة على مشاعرك.
تقنية بومودورو: توصي بالتركيز على العمل تركيزاً تاماً لمدة 25 دقيقة، تتبعها فترات راحة قصيرة. تأكَّد أنَّك ستتمكَّن مع مرور الوقت من تبنِّي هذه الطريقة بصورة أفضل، والحفاظ على تركيزك تماماً؛ إذ تعزز الفترات الزمنية المحددة للعمل قوة التركيز، خاصة عندما يكون الأمر هاماً.
- حافظ على زخمِك:
يساعدك الدافع على الالتزام بالأهداف؛ لذا يجب ألَّا نأخذ فترات استراحة كبيرة في أثناء العمل على أهدافنا حتى لا نفقد الإرادة والدافع؛ ممَّا يجعل العودة إلى إنجاز المهمات أمراً صعباً للغاية. كما يتعيَّن علينا القيام بشيء هام يومياً لتعزيز أهدافنا، حتى في عطلات نهاية الأسبوع؛ إذ لا يجب أن تكون مَهمَّة كبيرة بالضرورة، بل يكفي أن تكون مَهمَّة تقرِّبنا من أهدافنا فحسب.
على سبيل المثال: إذا كان هدفك هو أن تكون كاتباً مستقلاً، فاكتب ولو بضع فقرات في عطلة نهاية الأسبوع؛ وإذا كان هدفك التمتع بصحة جيدة، فاذهب في نزهة قصيرة لمدة 5 دقائق؛ إذ لا حاجة إلى القيام بشيء كبير، وقد تكفي الخطوات الصغيرة التي تساهم في إنجاز أهدافك.