هل تتساءل كيف يغير الناس وظائفهم دوماً؟ وكيف تمكَّن صديقك الذي كان يعمل كأمين مكتبة من الحصول على وظيفة تسويقية رائعة في وكالة إعلانية رقمية؟ وكيف أصبح ذلك المُنتِج التلفزيوني ناشراً مرموقاً لإحدى المجلات المشهورة على الإنترنت؟ وكيف تمكَّن العديد من زملائك من إحداث تغيير وظيفي في منتصف العمر، بحيث انتقلوا إلى العمل في وظائف جديدة ممتعة؟
إنَّ الشيء الوحيد الذي لم يفعله هؤلاء الناس هو الإصغاء إلى آراء المعارضين والرافضين لفكرة التغيير، حيث سيكون هناك دائماً بعض أفراد الأسرة من ذوي النوايا الحسنة، أو المعارف الذين سيقدمون لك النصيحة ضد أي نوع من التغيير الوظيفي؛ وذلك لاعتقادهم بأنَّه يمثل مخاطرة كبيرة جداً.
قد يجادلك هؤلاء بأنَّ فترة الثلاثينات إلى أوائل الخمسينيات من عمرك يجب أن تكون فترة مثالية تمكِّنك من كسب مزيد من المال نتيجة تقدمك الوظيفي في عملك الحالي، وليس تغييره؛ فلمَ قد ترغب في التضحية براتب أعلى مقابل راتب بسيط تجنيه عند البدء في مسارٍ وظيفي جديد؟
ذلك صحيح، لكن لا يتعلق الأمر بالمال فحسب، فربَّما اكتشفت بأنَّ المسار الوظيفي الذي اخترته لم يعد يتمتع بالجاذبية التي كان عليها من قبل، أو ربَّما يكون التغيير الذي تبحث عنه يتعلق بالمال فعلاً؛ فأنت تدرك أنَّك وصلت إلى ذروة أرباحك في وظيفتك الحالية، والتي اكتشفت أنَّها أقل بكثير من هدفك الأصلي، وسيجبرك ذلك على تفحص مسار حياتك المهنية طويل الأمد.
نقدم لك فيما يأتي 5 نصائح تساعدك على إجراء تغيير في حياتك المهنية في منتصف العمر:
- امنح نفسك شعور الرفاهية بالسعي إلى حلم كبير:
عندما تترسخ الفكرة لديك، قد تضطر إلى تحمل بعض المسؤوليات المالية، مثل: الرهن العقاري للمنزل، وتسديد أقساط السيارة، وإعالة الأسرة؛ لذلك قد لا يصب اتخاذ خطوة متسرعة كهذه في مصلحتك؛ لكن ومع ذلك، امنح نفسك شعور الرفاهية بالسعي إلى حلم كبير، وفكر قليلاً كيف ستبدو وظيفتك المثالية؛ فمثلاً: ما هو المسمى الوظيفي المثالي بالنسبة إليك؟ ما هي المسؤوليات التي سيشملها عملك؟ ما هي الصفات التي يمكن أن يتمتع بها المدير وزملاء العمل من وجهة نظرك؟ لذا، ضع قائمة، وارجع إليها في أثناء التفكير في فرص العمل الجديدة.
- ابذل الجهد اللازم:
قم بعد ذلك بما يجب فعله، وافهم أساسيات الوظيفة التي تحلم بها، كيلا تواجه مفاجآت غير مرغوبة فيما بعد، واكتشف فيما إذا كانت هذه المهنة تمنحك راتباً جيداً في البداية، واحرص أن يكون قابلاً للزيادة فيما بعد؛ وتحرَّ عمَّا إذا كان هناك أي متطلبات تعليمية إضافية، واعلم ما هي البرامج المتاحة لذلك؛ وأجرِ في هذه المرحلة الاستقصائية عملية تجرد فيها جميع مهارات العمل الصلبة والناعمة التي تمتلكها، فربَّما تمتلك مهارات قابلة للتحويل أكثر ممَّا تعتقد.
على سبيل المثال: إذا كنت تدرِّس العلوم في المدرسة الثانوية، ولكنَّك ترغب في الدخول في مجال البحث الطبي؛ فقد تساعدك تجربتك وخبرتك في التدريس على الانتقال إلى المجال الذي تريده أكثر ممَّا كنت تعتقد في البداية.
كمثال آخر: يمكن لعالم يعمل في مختبر طبي جامعي الإشراف على الطلاب الجامعيين الذين يساعدون في إجراء الأبحاث؛ وبالمثل، قد تساعدك مهارات التواصل التي اكتسبتها من خلال خبرتك في مجال التدريس على أن تكون بارعاً في إيصال نتائج تلك الأبحاث بصورة واضحة.
- فكّر كيف تلائم الوظيفة:
ابحث عن وظائف شاغرة للحصول على وظيفة أحلامك، أو عن عمل ذي درجة أقل إذا احتجت إلى العمل في أثناء سعيك إلى تحقيق مكانة أفضل؛ وفكر كيف يمكنك أن تناسب متطلبات العمل. فكر كيف تلائم متطلبات العمل باحترافية، وكيف ستكون المقابلة بينك وبين ربِّ العمل المحتمل، وكيف تسلط الضوء على أفضل الصفات التي تؤهلك لهذا العمل؛ وسينجذب أرباب العمل إلى خبرتك التقنية، ومهارات التواصل لديك، وطريقتك في إبراز نفسك كشخص موثوق وموظف ذي قيمة عالية.
على سبيل المثال: افترض أنَّك تتقدم لوظيفة محلل أو مخطط مالي، بحيث تملك درجة البكالوريوس في تخصص يؤهلك لذلك، كإدارة الأعمال أو الاقتصاد. اعرض مهاراتك الحسابية وقدراتك التحليلية في استخدام الجداول البيانية، حيث تمتلك العديد من الشركات برامجها الخاصة؛ لذلك عليك ربط معرفتك العامة بالتكنولوجيا مع موهبتك في العمل على منصات الكمبيوتر.
بالإضافة إلى إثبات امتلاكك لهذه المهارات الصلبة، حاول أن تبرز مزيداً من المهارات التي تمتلكها فعلاً؛ فمثلاً: يعدُّ التواصل الشفهي والنزاهة مهارتين خاصتَين بالمهن المرتبطة بالمجالات المالية؛ كما عليك أن تتذكر دائماً أنَّ جميع الوظائف تنطوي على بناء العلاقات والتفاعل مع الآخرين من حولك، لذا فإنَّ المهارات الاجتماعية مطلوبة بشدة.
يجب أن تتطابق مهاراتك تماماً مع المهارات اللازمة لوظيفة أحلامك؛ لذا بالنسبة إلى تلك المهارات التي تمتلكها بالفعل، تأكد من وصفها بالطريقة المذكورة في إعلان الوظيفة؛ وبالمقابل، ضع خطة واسعَ إلى تعلم المهارات التي لا تمتلكها.
- طور نفسك بإتقان مهارات جديدة:
قد تساعدك التغييرات الجذرية التي تحدث حالياً في معظم مجالات الأعمال على تغيير وظيفتك؛ فعلى سبيل المثال: يحتاج معظم العاملين المتمرسين في مهن الإلكترونيات الاستهلاكية وتجارة التجزئة والمجالات الخدمية إلى إعادة تثقيف أنفسهم للبقاء على اطلاع على تغيرات الأعمال في عالم التكنولوجيا.
لكن ومع ذلك، قبل أن تنفق وقتك ومالك على أي برنامج، تحقق من المراجعات والدراسات السابقة، واطلب من الزملاء منحك بعض التوصيات، واقرأ مواصفات الدورة التدريبية بعناية.
نقدم لك فيما يأتي بعض الخيارات المتاحة لإتقان مهارات جديدة:
الدروس التدريبية على الإنترنت:
إذا كنت مبتدئاً ومقيداً بالوقت، فقد تكون الدورات التدريبية عبر الإنترنت أسهل طريقة تكسبك المهارات المطلوبة للوظيفة التي تبحث عنها. تعمل الدورات التدريبية عبر الإنترنت وفق سلسلة متكاملة تبدأ بتقديم مقدمة سريعة، ثمَّ تشرح طبيعة المسار الوظيفي المحتمل، ثمَّ تقدم تدريباً محدداً؛ حتى أنَّ بعض البرامج عبر الإنترنت تمنح شهادات معتمدة من جامعات معروفة.
دورات التعليم المستمر:
توجد طريقة أخرى لاكتساب مهارات جديدة تمكِّنك من إجراء تغيير مهني، وهي الالتحاق بدورات التعليم المستمر في الكليات أو الجامعات المحلية، بحيث تتيح لك الصفوف الأسبوعية الشخصية الالتزام بوظيفتك الحالية. ناقش أهدافك مع رئيسك في العمل، حيث تشجع بعض الشركات فكرة دورات التعليم المستمر؛ فعلى سبيل المثال: تخصص شركة هوم ديبوت (Home Depot) مبلغاً من المال لموظفيها لإجراء بعض الدورات المعتمدة والمتفق عليها؛ لذا اسأل مشرفك فيما إذا كانت شركتك تقدم بعض برامج المساعدة التعليمية، حيث ستوفر بهذه الطريقة أموالك التي كسبتها بمشقة خلال سنين عملك، ويستفيد صاحب عملك من قدراتك.
برامج التدريب المهني:
تتطلب العديد من المهن ذات المهارات العالية والأجور المرتفعة شهادة متخصصة متعلقة بمجال العمل؛ بالإضافة إلى ذلك، تختلف برامج التدريب المهني اليوم عمَّا كانت عليه في الماضي؛ فهي الآن تعتمد على التكنولوجيا، وتُدرَّس من قبل متخصصين، وتركِّز على الحياة المهنية، ويمكن الانتهاء منها بصورة أسرع من الالتحاق بالكليات الجامعية التقليدية التي تعتمد نظام الأربع سنوات دراسية؛ وقد يكون من الممكن إعداد جدول تعليمي يتضمن دروساً عبر الإنترنت، أو دروساً مسائية، أو دروساً في عطلات نهاية الأسبوع.
برامج الشهادات الأكاديمية:
إذا قررت الانخراط في التعليم تماماً والتسجيل في برنامج للحصول على شهادة أكاديمية، مثل دراسة الماجستير في إدارة الأعمال، أو ماجستير في الفنون الجميلة أو غير ذلك؛ فناقش الخيارات التي تسمح لك بالحصول على الشهادة مع مرشدك الأكاديمي، مع وضع إمكانية تحديد عدد الساعات التي تقضيها داخل الفصل الدراسي في عين الاعتبار. يمكن لبرامج المنح الدراسية -رغم المنافسة الشديدة للحصول عليها- تمويل شهادة الماجستير بالكامل في بعض المجالات.
- اجذب الانتباه إلى مهاراتك عبر شبكات التواصل:
يجب عليك الترويج لمهاراتك على مواقع التواصل والشبكات المهنية للحصول على العمل الذي تبحث عنه، إلى جانب اكتسابك المهارات المطلوبة. تتراوح نسبة الوظائف التي لا تصل أبداً إلى السوق المفتوحة عبر قوائم الإنترنت بين (70%- 80%)، حيث تُشغَل غالباً قبل الإعلان عنها حتى؛ لذا فإنَّك عندما تستخدم شبكات التواصل للوصول إلى أرباب العمل والموظفين في مجال العمل الذي تحلم به، تزيد من فرصة حصولك على الوظيفة قبل طرحها إلى السوق المفتوحة.
تعني الشبكات الذكية اتباع نهج ذي شقين:
أولاً، اطلب المساعدة من أصدقائك ومعارفك، وأجرِ الاتصالات التي تساعدك على الوصول إلى الوظيفة والشركة التي تريد العمل معها، ولا تعتمد على شبكات التواصل فحسب، رغم احتمالية نجاحها في حصولك على العمل المطلوب.
ثانياً، حدد لقاء مباشراً مع شخص يمكنه مساعدتك وتقديم بعض المراجع؛ فأنت لا تعرف أبداً نوع الفرصة التي ستظهر لك من خلال هذا النوع من التواصل؛ كما يعدُّ التواصل المباشر وجهاً إلى وجه استراتيجية رائعة يجب اتباعها من أجل تغيير مهنتك؛ لكن لا تتوقف عند هذا الحد، بل استخدم وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تزيد بذلك من فرص التواصل لديك.
في هذه الأيام، غالباً ما يتكوَّن الانطباع الأولي من خلال الإنترنت، وقد يؤدي ترك انطباع قوي من خلال وضع ملف تعريفي منسق بعناية على مواقع التواصل إلى جذب مديري التوظيف ومسؤولي التعيين، ولفت انتباههم إليه.
الخلاصة: يشبه تغيير وظيفتك البحث عن شريك عاطفي، فالتوافق هو الأساس في كلتا الحالتين؛ فمثلما تسعى إلى الارتباط بشريك مناسب، تبحث الشركات عن موظفين مناسبين، وكل ما عليك فعله هو إثبات أنَّك تتمتع بالمهارات التي تحتاجها الشركة التي تحلم بالعمل معها، وستترك بذلك انطباعاً لا يُضاهَى، وتمارس سحرك الخاص على أرباب العمل؛ ممَّا يجعل اختيارهم يقع عليك خلال مدة قصيرة جداً.