إن البحث في أعماق النفس، ومعرفة جوانب الشخصية المختلفة أمر شيق، إن لم يكن من أجل إمتاع وإشباع فضولنا، فمن أجل التطوير والتغيير الشخصي؛ لذلك اهتم به الكثير من العلماء على مر التاريخ، ووضعوا له الكثير من النظريات العلمية والتي قامت على تجارب عديدة قبل أن تخرج إلى الواقع.
إن شخصية الإنسان تولد معه وتنمو بنموه؛ أي تتكون شيئاً فشيئاً منذ كونه جنيناً في بطن أمه إلى أن تكتمل وتستقر عند سن الخامسة والعشرين. حيث أن هذا السن في الغالب يعد نقطة الاكتمال الحقيقية للشخصية بكل جوانبها المختلفة، أما ما يكتسبه الشخص بعد ذلك فإنه يدخل في قالب الخبرات والمهارات والتجارب الحياتية التي تبرز الشخصية بشكل أكبر.
عناصر وجوانب الشخصية
اختلف علماء النفس حول وضع تعريف محدد وثابت للشخصية وجوانبها، لكن يمكننا القول إن الشخصية هي مزيج من القيم والدوافع والميول والاهتمامات والأنماط وطرق التفكير والقدرات التي تتفاعل مع بعضها وتظهر في التعامل خلال العلاقات الاجتماعية، وطريقة التعامل مع متطلبات العمل والدراسة، والظروف المختلفة وغيرها.
ما هي المراحل العمرية التي تتكون فيها جوانب الشخصية؟
سبق وأن قلنا إن شخصية الإنسان تولد معه وتنمو بنموه سلباً أو إيجاباً، إلا أن هناك بعض عناصر الشخصية لا تظهر بوضوح إلا في مراحل عمرية مختلفة، وعلى سبيل المثال:
الذكاءات المتعددة: يرى جاردنر صاحب نظرية الذكاءات المتعددة أن كل الأطفال يولدون ولديهم كفاءات ذهنية متعددة قد يكون منها ما هو ضعيف وما هو قوي (مثل الذكاء الجسدي أو الذكاء البصري أو المكاني). ومن شأن التربية الفعالة والتجارب المختلفة تنميتها، ويمكن تطويرها طيلة حياة الفرد.
الاهتمامات والميول الشخصية: يبدأ ظهورها من مرحلة الطفولة المبكرة أي من سن ثلاث سنوات من خلال لعب الألعاب، وتتبلور عند سن الثانية عشر– أي تتخذ شكلاً محدداً واضح المعالم – ثم تصل إلى الاستقرار التام عند سن الخامسة والعشرين.
الأنماط الشخصية: بالرغم من ولادة الفرد بنمطه الشخصي، ولكنها تظهر بشكل أوضح من بداية سن التمييز (تقريباً 8 سنوات)، وتستقر عند سن الخامسة والعشرين ويمكن توظيفها بشكل أفضل من الفرد.
القيم والدوافع: وهي نظرة وشعور الإنسان لما هو مهم وليس مهم ودوافعه لذلك. وغالباً لا تظهر بوضوح إلا مع اتخاذ القرارات المختلفة، وعند سن الثانية عشر يفترض أن يبدأ الأفراد في اتخاذ بعض القرارات. ويمكن لهذه القيم والدوافع أن تتغير بتغير القرار والزمان والمكان والأشخاص.
من خلال علوم النفس والشخصية فإن هناك عوامل ومؤثرات لها أكبر الأثر في تكوين شخصية الفرد منها:
العوامل الوراثية: ولها أثر مهم في تشكيل شخصية الفرد وتحديد أنماط سلوكه وقدراته، والعوامل الوراثية يقصد بها ما يكتسبه الفرد من آبائه وأجداده من صفات عبر الجينات الوراثية؛ مثل الصفات الظاهرية: الطول أو القصر ولون البشرة والعيون وحجم الجسم وغيرها. كما أن العوامل الوراثية لها دور في إكساب الشخص بعض الصفات التي تؤثر في تكوين شخصيته.
المؤثرات الأسرية: تعد الأسرة النواة الأولى والأساسية المؤثرة في سلوك الفرد وبناء شخصيته، فهو يكتسب منها الخبرات والمعلومات والسلوكيات والمهارات والقيم والاتجاهات والمعتقدات التي تؤثر في نموه النفسي والعقلي خاصة في المراحل العمرية الأولى والمؤثرات الأسرية يقصد بها التربية التي يتلقاها الفرد من أسرته مثل: أسلوب التربية وموقع الفرد في الأسرة وطريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم والتنشئة الأخلاقية وغيرها. كما تشمل العوامل الأسرية الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي للأسرة.
المؤثرات البيئية: ويقصد بها المجتمع الذي نشأ فيه الفرد وتأثر بصفاته ومكوناته مثل الموقع الجغرافي والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقيم والعادات والتقاليد والدين واللغة فكل تلك الأشياء لها تأثير في تشكيل الشخصية وتكوينها، حيث أن هناك بعض من هذه المؤثرات يكون له تأثير مباشر في بعض القدرات الجسدية أو العقلية، فعلى سبيل المثال نجد ان بعض المناطق الاستوائية تجد السمات المشتركة للكثير من سكانها التميز بالطاقة الجسدية والعمل مباشرة في الأجواء الحارة لفترات قد لا يستطيع منافستهم فيه من نشأ في أجواء معتدلة أو باردة.
مؤثرات المؤسسات التعليمية الرسمية وغير الرسمية: مثل المدرسة والجامعة والمساجد ومراكز التأهيل ووسائل الإعلام، ولا شك أن هذه المؤسسات تؤثر بشكل كبير في سلوك الفرد وثقافته ومعرفته وإدراكه لأنها تستمر معه لفترات طويلة.
مؤثرات أخرى: ثقافة الفرد وسعة اطلاعه والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والصحة البدنية والنفسية للفرد وغير ذلك من المؤثرات من حولنا.
ويمكننا القول بأن محددات الشخصية إنما ترجع إلى تفاعل كل هذه العوامل والمؤثرات المختلفة مع بعضها البعض، ويختلف الأفراد اختلافاً واضحاً في مدى تأثرهم بها. فليس من الضروري ان تكون كل هذه العوامل أو المؤثرات هي التي تتحكم في تكوين شخصية الفرد؛ وإنما هناك عوامل شخصية يكون لها الاثر في كيفية تلقي الفرد وتفاعله مع كل المؤثرات المحيطة والتي ينتج عنها تفرده في تكوين شخصيته. ولا تحدد هذه العوامل والمؤثرات تكوين الشخصية بشكل قاطع، بل أن من المهم أن يتم بذل الجهد لتطوير جوانب معينة في الشخصية لتتفق مع متطلبات الحياة والوصول إلى الأهداف، وتوظيف تلك العوامل بالشكل الأمثل. وينصح الخبراء والمتخصصون بالتعرف على الذات المهنية وطرق تطويرها دون النظر إلى ظروف خارجة عن الإرادة لما في ذلك من تأثير سلبي، وحتى لا تصبح أعذاراً يرتكن عليها الشخص مما يؤدي إلى إعاقة عملية تطوره الشخصي.