للمعرفة دور أساسي في تسيير بوصلة الاستكشاف المهني. الحصول على المعلومات المطلوبة في الوقت المناسب شرط أساسي لأي قرار مهني ناجح. إن أحد أهم قواعد المعرفة المهنية هي معلومات سوق العمل التي تمثل السياق العام والبيئة المتعلقة بالقرارات المهنية، ولا شك من أن إدراك معلومات سوق العمل تعتبر محطة جوهرية في التطوير المهني الشخصي بصفة عامة وفي الاستكشاف الفردي لسوق العمل بشكل خاص.
ولكن السؤال المهم، ماذا تمثل هذه المعلومات وأين يمكن الحصول عليها؟ يعرف سوق العمل بأنه المكان والزمان الذي يحدث فيه الطلب على الموظفين، والعرض على الأفراد الراغبين في التوظيف. ومعلومات سوق العمل هي كل ما يمكن معرفته حول مكان وزمان وطبيعة عرض وطلب الوظائف، وخصائصها، مما يحسن نتيجة القرار الذي يمكن اتخاذه.
أول خطوات البحث تبدأ من استيعاب خصائص هذه المعلومات وكيفية ربطها بالقرارات المهنية المحتملة. على سبيل المثال، ربط قرار اختيار التخصص بالسوق المحلي أمر منطقي جداً إذ يعتبر متطلب أساسي لفرص التوظيف المستقبلية التي يستعد لها الشاب. من غير المعقول مثلاً أن يخطط شاب للبحث عن عمل في منطقة باردة باختبار تخصص طبي في مجال الأوبئة الاستوائية.
يمكن تقسيم معلومات سوق العمل إلى أربع مجموعات:
المجموعة الأولى: معلومات توفر الوظائف، وهذا يشمل قنوات العرض المختلفة وما تعرضه من معلومات، مثل الإعلانات المبوبة، ومواقع الشركات، ومواقع التوظيف وأيام المهن وغيرها. وهذه بالطبع مهمة جداً فهي المحدد الأساسي لفرصة الوصول إلى الوظيفة المحتملة.
المجموعة الثانية: معلومات طلب الوظائف، وهذه تشمل حجم ونوع الباحثين عن عمل في مجال ما. من المناسب أن يعرف المتقدم قوة المنافسة في المجال الذي يهتم به، فهذا يؤثر بشكل مباشر على فرصه وعلى الكيفية التي قد يميز بها عرضه الخاص للفرصة الوظيفية.
المجموعة الثالثة: تشمل معلومات بيئات الأعمال والخصائص العامة في ذلك القطاع أو السوق وما يتعلق به من الناحية المهنية، ويشمل ذلك: مقدمي الوظائف إن كانوا شركات دائمة أو مشاريع مؤقتة أو جهات حكومية، الأنظمة والقوانين، البيئة المهنية مثل تطور المهنة نفسها (المميزات العامة، أنظمة تدريبية وشهادات مهنية وزمالة وشبكات اتصال مهنية راسخة، الخ).
المجموعة الرابعة تشمل: السياق والعوامل الاقتصادية والثقافية المرتبطة بالفرصة الوظيفية والقرار المهني، ومن ذلك أوضاع السوق المستهدف (هل السوق في مرحلة نمو أم كساد) والأوضاع الاجتماعية وتعريف المقبول وغير المقبول اجتماعياً ومدى قابلية الشخص للتحول في أحد أطراف هذه المعادلة ومواجهة العادات والثقافة السائدة.
ولكي نستفيد من أي معلومة يجب أن نتحقق دائماً من سمات هذه المعلومة التي تجعلها مناسبة للاستخدام. قد نحصر أهم سمات معلومات سوق العمل في التالي:
صحة المعلومة: وهي تعني درجة خلو المعلومة من الأخطاء ومدى دقتها حيث تمثل سلامة المعلومة مشكلة رئيسية إذ ارتفعت نسبة المعلومات المغلوطة مع سرعة انتقال المعلومة وجهل مصدرها. وصول المعلومة من مصدر موثوق، وبشكل واضح مهم للتأكد من صحتها. لا يوجد ما يمنع أن يقوم مستخدم المعلومات بخطوة أو عدة خطوات للتحقق من صحتها.
ملاءمة المعلومة: تنتشر بعض المعلومات وهي لا تخص السوق المحلي، لذا لن تكون مفيدة في نهاية الأمر. أو قد تخص بعض معلومات الوظائف الحكومية ولكن يحاول أحدهم تطبيقها على القطاع الخاص. لذا من المهم أن تكون المعلومة ملائمة لسوق العمل ومتخذ القرار.
توقيت المعلومة وبعدها الزمني: أي ألا تكون المعلومة قديمة أو منتهية الصلاحية، أو قد تكون معلومة لها بعد مستقبلي لم يتم النظر له بالشكل الأنسب. أي أن فهم مستقبل وتوجهات القطاع المستهدف ووضعه الحالي سيساهم في التأثير بشكل معين على قرارنا الحالي. باختصار: ملائمة توقيت المعلومة للقرار الذي تم اتخاذه شرط أساسي للاستفادة منها.
ذات معنى ومتسقة مع المعلومات الأخرى: ويعتبر الربط والتحليل من أهم الممارسات التي تساعدنا كأفراد على فهم هذه المعلومات بشكل أفضل وتطبيقها بشكل واقعي للاستفادة من الفرص المتوفرة والحصول على أفضل الفرص الممكنة في الأوقات المناسبة.
ويمكن حصر المصادر والممارسات المفيدة لجمع المعلومات والاستفادة منها في النقاط التالية:
- الاطلاع المستمر في مواقع التوظيف والتواصل المهني والبحث بشكل دوري عن المعلومات الحديثة، ويلزم ذلك أن يكون لديك ملف شخصي احترافي.
- الاستفادة من الأفراد الموثوقين في شبكة علاقاتك الشخصية وسؤال أكثر من مصدر للتحقق من طبيعة المعلومة.
- التواصل المباشر- شخصياً أو هاتفياً أو إلكترونياً- مع الجهات والشركات المستهدفة لجمع ومراجعة المعلومات
- الاطلاع المستمر على مصادر الأخبار العامة وملاحظة الأخبار المهنية والاقتصادية سواء عن طريق وسائل الإعلام التقليدية أو منصات التواصل الاجتماعي- ومن ذلك متابعة الأشخاص المتخصصين وحسابات التوظيف.
وختاماً من المناسب للباحث عن العمل أن يبحث عن المعلومة بطريقة منضبطة – ليست عشوائية – يبحث فيها عن معلومات محددة يمكن الوثوق بها واستخدامها في قراره بشكل موضوعي. وهذا يعني أن مجرد المرور على المعلومة قد لا يكفي، لأن البعض يمر بالمعلومة الجيدة ولا يستخدمها ولا يتوقف عندها وقد ينساها. وهذا يعني أن الباحث يجب أن تكون لديه آلية فعالة وجيدة في استقطاب المعلومة المفيدة، ورصدها، والاحتفاظ بها عند الحاجة في قائمة ملاحظات تخص قراراته المهنية (ملف خاص مثلاً)، ليتمكن من الرجوع إليها. البحث عن المعلومة المفيدة واستخدامها في زخم سوق العمل وفوضى الحياة ليس أمراً صعباً، ولكن بعض التحفيز الذاتي والترتيب يجعلان المهمة أسهل والنتائج أفضل بكثير.