تقوم سنثيا مكي، والقلق باد على محياها، بالتدقيق في مئات الأوراق على مكتبها، فهي على وشك أن ترمي بمعظم هذه الأوراق في سلّة المهملات القريبة منها. مكي التي تعمل في مجال المحاماة وتقديم الاستشارات للتوظيف، والتي ألفت ثلاثة كتب، تعمل أيضا مديرة تنفيذية لشركة “لو غورمي غيفت باسكت” Le Gourmet Gift Basket, Inc المحدودة التي تتخذ من ولاية كولورادو مقرا لها. وتشرف مكي على 510 فروع للشركة منتشرة حول العالم. وعندما تعلن الشركة عن وجود وظيفة شاغرة فإنها تتلقى المئات من الطلبات المصحوبة بالسير الذاتية لأصحاب الطلبات. وبصفتها من الخبراء في هذا الموضوع، فإن اختيار أفضل المرشحين المتقدمين للوظيفة أمر لا يحتاج منها سوى بضع ثوان.
الوضوح مطلوب
وتؤكد في أحد كتبها، “يا رجل! أين وظيفتي؟”
Dude, Where’s My Job ، على ميزة الوضوح واللغة الرصينة في “السيرة الذاتية” المكتوبة كوسيلة مجدية في البحث عن عمل.وتضيف قائلة: “إن السيرة الذاتية مهمة جدا، فإن هذه ‘الورقة’ تتيح لنا تقويم الشخص المتقدم للوظيفة بسرعة وفعالية، بما يقلل من عدد المتقدمين الذين يحتاجون للفرز والمراجعة، إذ ليس لدي الوقت لإجراء مقابلة مع كل متقدم. وأسعى عادة لمقابلة المتميزين منهم فقط، وتلعب السيرة الذاتية هنا دورا في غاية الأهمية في قبول المتقدّم كموظف جديد في شركتي”.
هذا هو السيناريو المعتاد في توظيف الناس في سوق عمل يتّصف اليوم بالتنافس الشديد. ويصل إلى أرباب العمل عبر الكرة الأرضية أعداد قياسية من السير الذاتية للأفراد المتقدمين لوظيفة واحدة شاغرة. السيرة الذاتية أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى هي الأداة الحاسمة للنجاح في البحث عن عمل، وتغيّرت المعايير التي تجعل من سيرة شخص ما أكثر قبولا من غيرها. مقدّم الطلب يحتاج إلى التميّز عن الآخرين وإلى القدرة على لفت الانتباه إليه، وفي بعض الأحيان تبرز تلك الفرصة في الطريقة التي يعد بها المتقدم سيرته الذاتية. وقد وجدت سمر شرف نفسها أخيرا ضحيةً للقصور في إعداد سيرتها الذاتية. فقد كانت تعمل تحت إشراف مدير كانت تجد صعوبة بالغة في التفاهم معه، وذلك في إحدى شركات الأدوية الرفيعة المستوى، وقد قررت تلك الشركة نقل مقرها الإداري إلى ولاية بنسلفانيا، مما جعل شرف تقضي ساعة ونصف يوميا ذهابا وإيابا إلى العمل، بعد أن كانت لا تقضي أكثر من 10 دقائق للوصول إلى عملها. وقد قضت هذه الفتاة الأميركية المصرية، البالغة من العمر 29 عاما، أشهراً عديدة في البحث عن عمل جديد. وبدأت خيبة أملها في الحصول على رد إيجابي على طلباتها المرفقة بسيرتها الذاتية تزداد يوما بعد يوم، وبدا لها الأمل في الحصول على وظيفة جديدة أمراً بعيد المنال.
اطلب المساعدة
شعور شرف بالإحباط دفعها إلى الاستعانة في تقديم طلباتها بأحد المتخصّصن في ربط احتياجات الشركات بالطاقات البشرية المتخصصة التي تبحث عن عمل، ويقوم هذا الوسيط بتقديم الطلبات وبمتابعتها. متعهد التوظيف هذا، استطاع خلال أيام قليلة تغيير حياتها، فبدأت شرف بتلقّي المكالمات من أرباب العمل المهتمين، وفي وقت قصير جدا حصلت على وظيفة جديدة. وكانت العقبة الكبرى في بحث شرف عن الوظيفة تتمثل في طريقة صياغتها لسيرتها الذاتية، التي أقل ما يمكن وصفها به أنها كانت قديمة ومشوشة وغير واضحة المعالم، ولم تُبرِز مهاراتها العالية بالشكل الملائم. وتقول شرف: “عندما أعدتُ صياغة سيرتي الذاتية، بدأت المكالمات تنهال عليّ، وقد ساعدني متعهد التوظيف، ووجهني إلى عدد من النقاط التي استطعتُ بها تحسين صورة رسالتي الذاتية”.
تغيرات لا بد من فهمها
ما الذي تغير وجعل إعداد السيرة الذاتية على هذه الدرجة من الأهمية؟
أولا: أجهزة الكمبيوتر التي رفعت من سقف التوقّعات. تقول مكي: “إن أرباب العمل الآن يتوقّعون منتهى الدقة، والتكنولوجيا جعلت من غير المعقول القبول بدرجة أقل من الكمال”. ثانيا: إن العالم الذي تحركه معطيات السوق، يتطلب تسويقا أفضل لسير الأشخاص الذاتية. ويتوقع أرباب العمل أن يكون مقدمو الطلبات قادرين على تسويق أنفسهم بطريقة واضحة ودقيقة. ولا يصرف أغلب مدراء التوظيف أكثر من ثانيتين أو ثلاث للنظر في أي سيرة ذاتية، مما يضع الكثير من الضغوط على مقدمي الطلبات للعمل على تحقيق نتائج أكبر في حيّز أضيق.
وتقول دانا كوزيك، المؤلفة المشاركة لكتاب “احصل على وظيفة! اجعل شهادتك الجامعية تساعدك في الحصول على عمل”
Get A Job! Put Your Degree To Work: “اجعل سيرتك الذاتية تنبض بالحياة، وضمنها أفعالا قمت حقا بها وخصوصا في قسم الخبرة والتجارب، ووضّح كيف تمكّنت من تحقيق الأهداف وتنفيذ المطلوب، وكيف حققت النتائج المتفوّقة”. وقد أصبح إعداد السير الذاتية فنا، وهناك خبراء في هذا الفن يقدمون خدماتهم بكتابة السير الذاتية نظير الأجر، وانتشرت العديد من الكتب والبرامج التي تعين في إعداد السير الذاتية، وتساعد العديد من الجامعات طلابها على ذلك. وكما أثبتت تجربة شرف فإن الخبراء يقومون بمساعدة زبائنهم ويحققون لهم النتائج.
ساعد نفسك
وتقول مكي: “إن بإمكان أي فرد الذهاب إلى المكتبة والحصول على كتاب من سلسلة ‘كيف؟’ حول كتابة السيرة الذاتية، وبحث الصيغ الأساسية على الإنترنت، وإذا لم تستطع أن تبذل جهدا معقولا لاسترعاء انتباهي، فإنني أعرف أن عليّ أن أنتقل إلى المرشح التالي”. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الضغوط كبيرة من أجل صفحات من ورق، فإنها، كما يراها أرباب العمل، توضح الكثير عن شخصية مُعدّها. وتقول كوزيك: “في الوقت الذي لا يجب أن يظل الكمال هدفا في كل مناحي الحياة، فإن الأمر هو على العكس عندما يتعلق بإعداد سيرتك الذاتية، فبروز خطأ مطبعي واحد أو ظهور عيب في إخراج صفحات السيرة سيخرجك من دائرة المقبولين للنظر في طلباتهم، وإذا اكتشفت خطأ ما فإن خيارك الوحيد هو أن تصلحه وتعيد طباعته بشكله الصحيح”.
عرّف بخبراتك ومهاراتك
ومن المهم تعلم أن قيمتك لا تقتصر على خبرتك المهنية أو شهادتك العلمية، ففي الحياة الكثير مما يثري تجربة الإنسان ويجذب نظر أرباب العمل إليه. فلا تنسَ أهمية اللغات التي تجيدها، والنشاطات التي شاركت فيها، والأشخاص البارزين الذين عرفتهم وأثروا في حياتك، وقيمة التحلي بالأخلاق الحميدة المرغوبة في بيئات العمل أيضا. كما انه المفيد الإطلاع على نماذج من السير الذاتية على الإنترنت من خلال البحث عن “سيرة ذاتية” أو CV أو Resume في محركات البحث. أما من ناحية إعداد السيرة الذاتية وتصميمها فهناك الكثير من البرامج المساعدة وأهمها برنامج مايكروسوفت وورد Microsoft Word الذي يشمل أداة تفاعلية تطرح عليك مجموعة من الأسئلة وتصمم، بموجبها، سيرتك الذاتية. كما يوفر برنامج وورد عددا من التصاميم الجاهزة التي يمكن الاختيار من بينها، ويمكن تحميل التصاميم الأخرى من موقع نماذج مايكروسوفت
وقد يكون من المفيد جدا تحديد هدفك المهني Job Objective في أعلى السيرة الذاتية، والهدف المهني هو عبارة مختصرة تلخص اهتماماتك ومهاراتك وعلاقتها بالوظيفة التي أنت في صددها. فهذه العبارة تعطي انطباعا أنك صاحب رؤية وهدف واضحين إلا أنها قد تجعلك مستثنى من وظائف أخرى في نفس الشركة.