قال الكاتب المسرحي ويلسون ميزنر (Wilson Mizner) في ثلاثينات القرن العشرين: “كن لطيفاً مع الجميع خلال مسيرتك نحو النجاح؛ لأنَّك ستلتقي بنفس الأشخاص وأنت على مشارف الإخفاق”.
هذا القول المأثور هو النموذج المثالي لبناء العلاقات في عام 2021؛ رغم أنَّنا قد نرغب في توسيع تعريف ميزنر لكلمة “اللطف”، إذ تشمل تقديم المساعدة وإظهار الاحترام والامتنان للآخرين، وفي المقام الأول: الاعتراف بفضل زملائك عليك خلال مسيرتك.
5 طرق لتُغير أسلوبك في بناء العلاقات:
إنَّ بناء العلاقات ليس بالأمر اليسير بالنسبة للجميع؛ إذ تجعلنا ثقافة الحاسوب اليوم أكثر انعزالاً وأقل ميلاً إلى التواصل مع الناس؛ ناهيك عن الوضع الجديد للعمل، وهو العمل من المنزل الذي يُعدُّ التواصل عن بعد طريقة التفاعل الوحيدة فيه؛ ومع ذلك، يظل بناء العلاقات جزءاً مهماً من ارتباط الفرد معنوياً بعمله وتحقيقه النجاح، وتتطور هذه المهارة من خلال الممارسة. إليك خمس طرائق يمكنك من خلالها تعزيز علاقاتك:
- تأييد أفكار الآخرين:
بادر لتبدي رأيك في الأفكار الجيدة لأعضاء الفريق وتدعمها، وبذلك سيعلم الآخرون أنَّك تهتم بنجاح الفريق أكثر من الاهتمام بتحقيق النجاح الشخصي؛ وادعم النهج الإبداعي أو الحلول الذكية لزملائك مهما كانت، وقدم العون لهم ما استطعت إلى أن يحققوا أهدافهم؛ وسيقدِّر أعضاء الفريق ثقتك بأفكارهم ودعمك لهم.
- إظهار التعاطف مع الآخرين:
إذا علمت أنَّ أحد الأشخاص الذين تعمل معهم قد واجه أوقات صعبة، فامدد له يد العون، وإن لم تكن على معرفة جيدة بهذا الشخص، فيمكنك تقديم بطاقة مكتوبة بخط اليد تُعرب فيها عن تعاطفك معه وآمالك في أن تكون قادم أيامه أفضل وذلك كمبادرة أولية؛ وإذا كان هذا الشخص ممن تتعامل معهم بشكل مستمر، فقد تتضمن المبادرة أن تأخذ عنه بعض الأعمال لتوفر له الراحة التي يحتاجها، أو يمكنك حتى أن تُحضر له طبق طعام مطهوٍ في المنزل كوسيلة لتوفير الراحة أيضاً، ولا بُدَّ أن يلاحظ الجميع التعاطف الذي تبديه؛ وستجد حينها أساساً متيناً في بناء علاقاتك مع الآخرين.
- التواصل مع الآخرين على الدوام:
اعمل على أن تقدم إلى أعضاء الفريق أي معلومة قد تساعدهم في أداء واجباتهم بمزيد من الفعالية، فعندما تُبقيهم على اطلاع على كل المستجدات، فإنَّ ذلك يدل على اهتمامك بما يحتاجه الآخرون ليحققوا أفضل النتائج. حاول اكتشاف أسلوب التواصل المناسب لكل عضو من أعضاء الفريق؛ إذ يعتمد بعضهم على رسائل البريد الإلكتروني في التواصل مع الآخرين؛ بينما يحب غيرهم إجراء محادثة هاتفية؛ وما إن نتمكن في النهاية من العودة إلى العمل الجماعي في المكاتب، فإنَّك قد تجد أنَّ تزويد الأعضاء بأحدث المعلومات بشكل مباشر قد يعود بفائدة كبيرة على بعضهم.
- طلب الحصول على تغذية راجعة:
عندما تبدي استعدادك لتلقي النصائح والإرشادات، فإنَّك ستترك انطباعاً إيجابياً لدى رئيسك؛ وعندما توضح له أنَّك ترحب بهذه النصائح وتتقبلها، فسيدل ذلك على إخلاصك وثقتك في الآراء التي يقدمها؛ كما ستدلك ميولك إلى التفكير في طرائق لتطوير أدائك وتعزيز أساليب التفاعل في العمل على قوَّة مهاراتك في بناء العلاقات. إذا كنت في بيئة عمل يُطلب منك فيها تقديم تغذيات راجعة، فلا تبخل في إعطاء الملحوظات، وليكن أسلوبك لطيفاً؛ لا يعني هذا أن تكون ذليلاً فيما تقوله، لذا حاول دوماً أن تكون التغذية الراجعة التي تقدمها من النوع الذي لا تمانع تلقيه.
- الاعتراف بجميل من يستحق التقدير:
كن ذلك الموظف الذي لا يغيب عن ذهنه ذكر المساهمات التي يقدمها الآخرون؛ فمن النادر حقاً أن ننسب الفضل إلى الآخرين؛ ولكن عندما نفعل ذلك فسيتذكَّر الآخرون بدورهم أن ينسبوا إلينا الفضل، إذ سيستحق هذا الجهد الذي تبذله في اكتساب الفريق الكفاءة اللازمة، تقدير الآخرين لك.
كيف يسهم بناء العلاقات في بناء مسيرتك المهنية؟
بعد أن تعمل لتعزيز علاقتك الاجتماعية وتوطيدها، إليك بعض الثمار المذهلة التي ستجنيها من ذلك:
- لن تشعر أنَّ عملك عمل حقيقي:
وفقاً لاستطلاع للرأي، عندما يكون لديك صديق مقرب في العمل، فمن المرجح أن تشعر بأنَّك منخرط في عملك، إذ يكون العمل أكثر متعة عندما تُقيم علاقات إيجابية ومثمرة مع زملائك، بدلاً من هدر وقتك وطاقتك في التعامل مع الشخصيات الصعبة؛ كما يمكنك قضاء بعض الوقت في الاستمتاع بروح الصداقة مع زملائك بينما تعملون معاً بشكل مُتَّسق من أجل مشروع ما، فيمرُّ الوقت بسرعة عندما يكون زملائك في العمل أصدقائك، ولا تكون التحديات التي تواجهكم بتلك الصعوبة.
- ستتمكن من إيجاد المساعدة المناسبة:
سيكون طلب المساعدة أمراً يسيراً عندما تكون لديك علاقة عمل جيدة مع زميل لك في العمل؛ ومع تغير المهام المكتبية بسرعةٍ تضاهي سرعة التغيرات التي يشهدها عالم التكنولوجيا، فمن المحتمل أنَّك ستحتاج إلى بعض المساعدة في التأقلم. يعتمد بناء العلاقات بشكل كبير على إظهار تقديرك للآخرين بشكل صريح، فعندما تُظهر امتنانك للمساعدة التي يقدمها الآخرون أو لاستعدادهم لبذل جهد في تقديم المساعدة، سيدل ذلك على أنَّك تقدر جهودهم.
- سينتظر المرشدون في العمل الفرصة ليقدموا آرائهم:
لقد ثبت أنَّ المُرشد سيعزز من تطورك المهني والوظيفي؛ إذ يمكنه مساعدتك على إيجاد الطريقة الصحيحة لإدارة عملك ويبقيك على اطلاع على آخر توجهات مجال العمل؛ كما يتمتع بخبرة واسعة يمكنك الاستفادة منها، وستجدها قيِّمة جداً عندما يُقدَّم لك النصيحة حول كيفية تحقيق النجاح والتقدِّم في الحياة العملية؛ إذ يساعد المرشدون بصورة أكبر أولئك الذين يتمتعون بالمهارة في بناء العلاقات؛ لذا، حاول تعزيز علاقاتك بالآخرين وأبقِ عينيك مفتوحتين على شخص جدير بتوجيهك.
- ستتعاون أنت وزملائك معاً بوصفكم فريقاً:
يبدأ العمل الجماعي الناجح بتفكير واسع الأفق وليس بعقلية محدودة؛ ففي كثير من الأحيان، ينظر العمال إلى كل المشاريع بعقلية محدودة؛ وهذا يؤدي إلى صراع على المنصب؛ إذ يتنافس زملاء العمل فيما بينهم ليحصل كل منهم على نصيبه من الأرباح، لكن في حالة التفكير واسع الأفق، يركِّز الجميع على جوانب القوة التي يضيفها كل فرد للفريق بدلاً من عدِّ الآخر منافساً محتملاً له؛ لذا بدلاً من ذلك، يمكنك محاولة توطيد علاقاتك بالآخرين لتضمن العمل في بيئة ودودة؛ بدلاً من خلق بيئة عدائية، وعندما تُظهر للآخرين أنَّك عازم على دعم جهودهم والمساهمة في نجاحهم، فإنَّهم سيعاملوك بالمثل.
- ستتوسع شبكة علاقاتك ويزداد مرتبك الشهري كذلك:
وسِّع شبكة علاقتك إلى ما هو أبعد من زملائك في العمل ليشمل العملاء والمُورِّدين وغيرهم من أصحاب المصلحة في مجال العمل، وقد تثمر جهودك المضاعفة في زيادة المبيعات، وحصولك على عمل ذي مرتب مجزي؛ بل وحتى ستشهد تقدماً مهنياً سريعاً. لا تغفل عن أهمية بناء علاقات ودِّية مع المساعدين، أو موظفي الاستقبال، أو حتى المتدربين؛ واحرص على توطيد علاقاتك ليس فقط برئيسك وبرئيس رئيسك، بل وبمن يعمل تحت إشرافك أيضاً؛ فقد تجد أنَّ شخصاً ما لا تتوقّعه قد يتحدث عنك بخير أمام مشرفك. قد تجني ثمار بناء علاقات عمل جيدة مع كل شخص تتواصل معه والحفاظ عليها بأشكال لا يمكن التنبؤ بها، ولن تعرف متى سيغدو هذا الأسلوب البسيط “الفرصة الذهبية” للشركة؛ فبعد ستة أعوام من الآن، إذ قد تلجأ إليهم لتعثر على عمل. إذا كنت قد بنيت علاقات عمل جيدة أساسها الثقة خلال مسيرتك؛ فمن المرجح أن تُرشح للمناصب التي قد يسعى أي من هؤلاء الأشخاص إلى شغلها.
- لن يسبب لك عملك أيَّة ضغوطات:
أُجريت دراسةٌ تشير إلى أن نحو 83 في المئة من العمال الأميركيين يعانون من إجهاد ناتج عن العمل. من المرجح الآن أن يكون بعض هذا الإجهاد ناجماً عن التعديلات الجديدة التي طرأت على أماكن العمل بسبب الجائحة؛ ورغم ذلك فإنَّ الرؤساء والإدارة عموماً يشكلون المصدر الرئيس للإجهاد بالنسبة لأكثر من ثلث العاملين. تكمن الطريقة المثلى لتخفيف ضغط العمل في خلق علاقات جيدة بين زملاء العمل، وسواء أكان الأمر يتعلق بوجود أشخاص تشاطرهم معاناتك، أم تتشارك معهم أفكارك، أم تحقق معهم أفضل أداء لك؛ فإنَّ الصداقات تعزز روح الجماعة وتخفض مستوى التوتر في عملك.
- ستتألق مسيرتك العملية:
مَن تشعر أنَّه أفضل شخص لتقصده في تقديم توصية أو طلب ترقية: رئيسٌ بارد المشاعر ومنعزل تربطك به علاقة رسمية فقط، أم شخص يعرفك شخصياً وقد بنيت معه علاقة وُدِّية تقوم على الثقة المتبادلة؟ سيبرز تقدمك الوظيفي دائماً عندما يكون لديك روابط صداقة وتقدير متبادلة مع الأشخاص الذين يمكنهم التوصية بك، لذا فكِّر في العبارات التي يمكن تلقيها من مشرف يعرفك صديقاً، مقابل شخص يبقى منعزلاً ويلاحظ أداءَك فقط فيما يتعلق بقدرتك على الوفاء بالمواعيد النهائية أو تحقيق الأهداف.
عندما يعرف الناس مهاراتك ونقاط قوتك وشخصيتك وتطلعاتك، فستجد من يروج لك ويمدحك بأي فرصة تتاح لك لتتقدم.
فكرة أخيرة: في نهاية المطاف؛ يعتمد الأمر على “من تعرفه” وليس “ما تعرفه”؛ فعندما تنشئ علاقات مع الآخرين، فإنَّك تنشئ مجموعة من الزملاء وشركاء العمل وأعضاء الفريق ورؤساء العمل الحاليين ورؤساء العمل السابقين الذين يرغبون بمساعدتك، ويتمنون لك النجاح. في جوهر الأمر، فإنَّ البشر أساس كلِّ عمل، ولجعل الأمر أكثر وضوحاً؛ فإنَّه لمن الممكن أن يكون لاتخاذ إجراءات صغيرة بحجمها وكبيرة بتأثيرها، دوراً فعالاً في بناء الأساس لعلاقة طيبة وفاضلة في العمل.