فطر الله النفس البشرية على حب المعرفة والبحث، ومن ذلك معرفة الذات ودواخلها وكيف تفكر وتقرر. ويفكر كثير منا بتحليل الشخصيات ومعرفة أعماقها؛ إما ليرسم مستقبله، أو لأسباب أخرى متعددة. ولقد أرسى أرسطو قانوناً بقوله: “أن تعرف نفسك بداية الحكمة”. لذا، فكثير من الأبحاث والدراسات تدور حول معرفة الذات، وتؤكد دوماً على أن السعداء هم من يدركون ذواتهم، فهم يبنون حياتهم وفقاً لطموحاتهم وقدراتهم، واهتماماتهم، واحتياجاتهم الحقيقية. هنا يمكننا أن نتطرق إلى جزء صغير من أعماق هذه النفس البشرية؛ وهو أنماط اتخاذ القرارات، والقواعد العامة لفهمها، وكيفية التغلب على سلبيات كل نمط.
أنماط اتخاذ القرارات
عندما نحلل دواخل الإنسان من منظور التنمية والإرشاد المهني، نلاحظ أن كل إنسان عند اتخاذ القرارات يتبع واحداً أو أكثر من الأنماط الأربعة التالية:
النمط الأول: غالباً ما تكون مندفعاً، وتحب العمل بمفردك معظم الوقت، وكثيراً ما تشعر أن طريقتك هي الأمثل والأفضل؛ لهذا لا تحب التفاصيل الكثيرة في أي شيء، ولا تستشير الآخرين، بل تحب أن ينقاد الآخرون لرأيك. وأيضاً تميل إلى الفعل أكثر من التأمل والتفكير والتنظير، وأحياناً يصفك البعض بأنك متبلد الشعور تجاه الآخرين، وتبني قراراتك على رأيك دون استشارتهم، وأنك نادراً ما تتردد، ولا تتحلى بالصبر، وأحياناً تفقد أعصابك بسرعة، وتحب السرعة في إنجاز المهام ولو على حساب الأشخاص, و أنك متصلب الرأي لا تحب تغيير رأيك.
النمط الثاني: تحب أن تتعمق في التفاصيل الصغيرة، وتفكر كثيراً قبل محاولة القيام بأي شيء. ويمكنك أن تفكر في عدة أمور في الوقت نفسه، وتجمع الكثير من المعلومات ومن كل المصادر الممكنة، إلا أنك تظل متردداً في اتخاذ القرار، فقد تحرص دائماً على التدقيق في كل الحقائق، وتحب اتباع الأنظمة. وغالباً تكون مشوش البال ومشغول الفكر؛ لذا قد يصفك من حولك بأنك متردد، أو كثير الخوف من اتخاذ القرارات.
النمط الثالث: تتحدث إلى الجميع سواء كانوا من الأسرة أو الأصدقاء أو أصحاب الخبرات للأخذ بآرائهم عند اتخاذك لأي قرار، وتتوقع الخير من كل الناس، إلا أنك تفتقد الثقة في نفسك. ولذلك، تعاني دائماً من اتخاذ القرارات لكثرة ترددك، كما أنه قد يسهل خداعك، وإذا اتخذت قراراً تتخذه ببطء، وبعد تفكير متعمق ومتأن، وغالباً يكون القرار لديك معتمداً على العاطفة أو أملاه عليك من حولك، فهم يصنفونك بأنك عاطفي وخدوم.
النمط الرابع: لديك الكثير من الأفكار المبتكرة والمبدعة، وغالباً ما تخرج على الأنظمة واللوائح والقوانين، ولا تحب التقييد؛ لذلك كثيراً ما تغير رأيك، ولا تستطيع اتخاذ قرار محدد. كما أنك تعتقد أنه ليس من المهم اتخاذ قرار بعينه، ولا يمكن التنبؤ بردود أفعالك أو تصرفاتك. قد يصفك البعض بأنك غير حاسم في تصرفاتك، وأنك تعتمد على الحدس والتخمين، ومتضارب الفكر، ولا تستقر على رأي، وغالباً ما يقال أنك متهور، وتتصرف دون التفكير في عواقب الأمور.
القواعد العامة لفهم الأنماط
فيما يلي بعض القواعد العامة والدعائم الأساسية التي ترشدك لفهم نمطك:
- لا يوجد نمط واحد لاتخاذ القرارات، بل لدى كل منا خليط من هذه الأنماط الأربعة.
- كل نمط له إيجابيات وسلبيات تسهم بطريقة ما في حل المشكلات واتخاذ القرارات.
- تقبل ما لديك وتعامل معه بصدق وإبداع، واعلم أن لك بصمة فريدة في هذه الحياة قد لا يراها البعض.
- كن مرناً ومتكيفاً مع شتى المواقف المختلفة وحاول توظيف النمط الأنسب.
- كيفية التغلب على سلبيات الأنماط
لو لاحظت عدم مناسبة نمط اتخاذ القرارات الذي تستخدمه باستمرار، فهنا بعض النصائح المفيدة:
النمط الأول: يجب عليك التأني قبل اتخاذك لأي قرار، ولا بد أن تتعلم الثقة في عدد أكبر من الناس. وحاول أن تطور من قدراتك ومهاراتك كي تكون أكثر صبراً، فأول ما تحتاج إليه من تنمية المهارات هو مهارة التواصل مع الآخرين. واعلم أننا لا نكون دائماً على صواب، لهذا ليس عيباً أن تستشير من حولك، وتأخذ من خبراتهم ومعلوماتهم، فهو أمر لا ينقص من قدرك شيء.
النمط الثاني: المتردد في اتخاذ القرار يتهيب الخطأ ويخشاه، لذا يجب عليه عدم الإغراق في التفكير أكثر من اللازم. ويجب عليك التدرب على اتخاذ القرار الحاسم، والتعود على إبرام الرأي بعد تقليب وجهات النظر، والارتياح للقرار بعد أن تظهر مصلحته. إن حصل شيء من الخطأ بناء على قرارك، فهذا أمر يقع لأي إنسان حتى الكبار والناجحين والمميزين. واجعل خطأك درسا تستفد منه، وتأخذ منه العبرة لتتجنبه في المستقبل، وكن مرناً وصاحب بدائل كثيرة.
النمط الثالث: كن أكثر حباً لذاتك! فاتباعك للآخرين ليس عيباً، ولكن بما فيه مصلحتك لا مصلحتهم، وكن أكثر حزماً وسيطرة؛ لحماية نفسك من تقلبات الآخرين وآرائهم.
النمط الرابع: حاول أن تتقبل المسؤولية تجاه أفعالك وأقوالك، واستمتع بوضع بدائل كثيرة، ولكن لا بد أن تختار منها ما هو أكثر مناسبة لك ولقيمك واهتماماتك وأهدافك. واعزم دائماً على تحديد أهدافك بوضوح والعمل على تحقيقها.
أخيراً … لاحظ نفسك بشكل أكبر، واعرف نمط قراراتك باستمرار، وكن واعياً لسلبياته و إيجابياته، وحاول توظيف نمطك بالشكل الأنسب؛ لتنعم بقرارات أفضل بحول الله.