تنهال ثقافتنا اليوم بالثناء والمدح على روّاد الأعمال، وتُشيد بجرأتهم وشجاعتهم التي تدفعهم للمخاطرة بكلّ شيء من أجل تحقيق النجاح وفقًا لشروطهم الخاصّة. لكن ماذا لو أردت الحصول على بعض الاستقلالية ورغبت في أن تكون أكثر اعتمادًا على نفسك في العمل دون الحاجة لأن تصبح رياديًا تُدير مشروعك الخاص؟ في النهاية قد يكون هناك من لا يفضّل العمل لحسابه الخاصّ. صحيح أنّ مكافأة العمل لحسابك الخاصّ عظيمة، لكن المخاطر كثيرة أيضًا، وربّما لا تجد في نفسك الصفات والقدرات أو حتى الاستعداد الكافي لخوض هذه المخاطرة.
إن كنت واحدًا من هؤلاء الأشخاص الذين يسعون لتحقيق مزيد من الاستقلالية دون التخلي عن وظيفتك أو البدء بمشروعك الخاصّ، فهذا المقال لك! سنتعرّف اليوم على أهمّ مهارات الاعتماد على الذات في العمل وكيفية تطويرها وتعزيزها.
ماذا يعني الاعتماد على الذات في الوسط الوظيفي؟
أن تكون معتمدًا على ذاتك في العمل لا يعني أنّك لن تعمل إطلاقًا مع الآخرين، أو أنّه لا يجدر بك طلب المساعدة من أيّ أحد. وإنما يُشير إلى أنّك تتحمّل مسؤولية أفعالك وقراراتك وتتحكّم بها مع الأخذ بعين الاعتبار زملائك من الموظفين والعاملين في الشركة.
بمعنى آخر، فهذا يعني أنّه عندما يتمّ تكليفك بإنجاز مهمّة معيّنة، فإنك تبدأ بالعمل عليها دون الحاجة إلى متابعة أو مساعدة أو إشراف مستمرّ لإتمامها. بمجرّد أنّك تلقيت تعليمات إنجاز المهمّة وتفاصيلها بدقّة، فلستَ بحاجة إلى تدخل إضافي من مديرك أو المسؤول عنك.
أيّ أنك قادر على إتمامها وتسليم المخرجات بالجودة المطلوبة أو أفضل، في الوقت المحدّد وضمن الميزانية المتفق عليها.
كيف أكتسب مهارات الاعتماد على الذات في العمل؟
من النادر جدًّا ألاّ يتضمّن أيّ جزء من مهمّاتك في العمل مهارات الاعتماد على الذات. فحتّى لو كنت جزءًا من فريق ستقع عليك مسؤولية إتمام بعض الأمور بمفردك دون الحاجة لمساعدة الآخرين أو إشرافهم عليك.
وهنا قد تتساءل: كيف يمكنني تطوير مهارات الاعتماد على الذات في عملي؟
حسنًا لقد جمعنا لكم فيما يلي 6 نصائح عملية تسهم في منحكم مزيدًا من الاستقلالية في وظائفكم، وتعزّز مهارات الاعتماد على الذات لديكم.
أولاً: رتب أمورك جيداً
الخطوة الأولى لتصبح أكثر اعتمادًا على ذاتك في العمل هي أن تطوّر مهاراتك التنظيمية. لقد حان الوقت لترتّب قائمة مهامّك، مكتبك، صندوق الوارد في بريدك الإلكتروني وكلّ شيء من حولك! حينما تكون منظّمًا ستصبح لديك فكرة أفضل حول ما يتوجّب القيام به وحول مهمّاتك اليومية.
فكلّما امتلكت فكرة أفضل حول ما يتوجّب القيام به أصبح لديك وقت أكبر لتحديد كيفية إتمام مشروع أو مهمّة معينة في الوقت المناسب وبأفضل جودة ممكنة. ليس هذا وحسب، حينما يكون مكتبك مرتّبًا وبريدك الإلكتروني منظّمًا، فأنت بهذه الطريقة تظهر لمديرك أو رئيسك المباشر أنّك مسيطر على كلّ شيء من حولك وقادر على الاعتماد على نفسك في التعامل مع ضغط العمل الواقع عليك.
ثانياً: خذ زمام المبادرة من حين لآخر
تحديد الأمور التي يجب القيام بها ومن ثمّ تنفيذها هو ما يُطلق عليه في العادة “المبادرة”، والتي تعدّ مقياسًا جيّدًا لمدى اعتمادك على نفسك في العمل.
لكن لابدّ لك هنا من الأخذ بعين الاعتبار بعض النقاط المهمة:
- فكّر دومًا في وقتك وكيفية استخدامه وإدارته كما يجب.
- الكثير من الحماس والمبادرة بالبدء بأعمال الآخرين نيابة عنهم قد يسبّب الكثير من المشكلات في الفريق.
- لذا ابدأ دومًا بالتفكير في دورك الوظيفي. افهمه تمامًا قبل البدء بأي مشروع، لأنه سيساعدك على معرفة ما يتوجّب عليك القيام به في ومن ثمّ إتمام المهام الموكلة إليك في وقت أقلّ فتستطيع بعدها الأخذ بزمام المبادرة ومساعدة الآخرين في إتمام مهامهم أيضًا.
ثالثاً: حاول العثور على الحلول بمفردك
حينما تبدأ العمل على مشروع أو مهمّة جديدة، تأكّد بداية من فهمها جيّدًا ومعرفة المزيد عنها حتى تشعر أنّك مرتاح في العمل عليها. قد تواجهك خلال ذلك بعض المشكلات التي لا تتمكّن من حالها، وهو أمر طبيعي تمامًا.
وهنا تأكّد من إجراء البحث الكافي وطرح الأسئلة المناسبة ومحاولة الإجابة عنها. قد لا تنجح دومًا في العثور على الإجابة أو الحلّ المناسب، لكنّك ستكون قد أظهرت بأنّك حاولت واعتمدت على نفسك في محاولة العثور على الحلّ قبل اللجوء إلى طلب المساعدة والعون من زملائك أو مديرك المباشر، وهذا هو المهمّ!
رابعاً: قم بخوض تحديات جديدة
حينما تكون متسلّحًا بمهاراتك التنظيمية، مستعدًّا بالبحث المناسب الذي أجريته وبروح المبادرة التي اكتسبتها، ستجد أنّ الاعتماد على الذات قد أصبح جزءًا من أسلوبك في العمل. وبمجرّد أن تصل لهذه المرحلة، فقد أصبح الوقت مناسبًا لاستلام مهمّات جديدة وخوض تحدّيات أكبر.
قد يبدأ الأمر بتنظيم اجتماعات الفريق أو مشاركة ملخّصات الاجتماع مع بقية الموظفين، لكن وقبل مرور الكثير من الوقت ستجد نفسك مستعدًّا بل وقادرًا على إدارة الاجتماعات وتنفيذ المشاريع الأكبر ممّا اعتدت عليه.
خامساً: كن جديراً بالثقة
حتى تتمكّن من الحصول على مزيد من الاستقلالية في وظيفتك، وتكتسب مهارات الاعتماد على الذات عليك أوّلاً أن تثبت لرؤسائك المباشرين بأنّك جدير حقًا بالثقة. كيف ذلك؟ ببساطة، عليك أن تفعل ما تقوله، وتفعله بشكل صحيح بنسبة 100% في كلّ مرّة! ليس هذا وحسب، عليك أيضًا أن تتأكّد من أنّ جميع الزملاء والمدراء يعرفون حقيقة أنّك جدير بالثقة، وذلك من خلال التحدّث إليهم عن نواياك المهنية للمستقبل ومتابعة مخرجات عملك بشكل مستمرّ.
سادساً: تعلم شيئاً جديداً
إن كنت لا تتعلّم، فأنت لا تنمو ولا تتطوّر, وإن كنت لا تتطوّر، فعلى الأرجح ستجد نفسك أمام فرص أقلّ وسلطة أقلّ في عملك. التعلّم الذي نتحدّث عنه هنا لا يعني بالضرورة تعليمًا أكاديميًا كالالتحاق للدراسة بدرجة عليا مثلاً، مع أنّ ذلك وارد بالطبع.
لكن يمكنك ببساطة أن تحضر ندوة توعوية حول موضوع ذو علاقة بعملك، أو أن تستفيد من خبرة مشرف أو مدير ما، أو حتى أن تتطوّع لإنجاز مهمّة معيّنة لا تعرف عنها الكثير فتتعلّم المزيد حولها أثناء تأديتها.
احرص دومًا على أن تكون أكثر قابلية للتعلّم وأن تتبنى عقلية النموّ أو الـ Growth Mindset باللغة الإنجليزية فهي لن تساعدك على اكتساب مهارات الاعتماد على الذات وحسب، بل قد تفتح لك آفاقًا وظيفية واسعة ما كنت تتخيّلها قبلاً.
إذن، هل تجد في نفسك القدرة على الأخذ بهذه النصائح والخطوات البسيطة لتحقيق مزيد من الاستقلالية والاعتماد على النفس في وظيفتك؟ لا تتردّد ولا تخف، فإن لم تخرج من منطقة الراحة الخاصّة بك، لن تتمكّن من تحقيق أيّ شيء في حياتك. ليس عليك المخاطرة بوظيفتك والانطلاق مباشرة لعالم الريادة وفتح مشروعك الخاص. ابدأ بسلوكيات بسيطة وشيئًا فشيئًا ستجد نفسك أكثر قدرة على اتخاذ الخطوات الأعظم والأكبر.