ربما تكون الصدمة الثقافية هي أصدق عبارة لوصف الإنتقال من عالم الدراسة و الحياة التعليمية إلى عالم الأعمال و الحياة المهنية. فالحياة المهنية هي عالم التطبيق و الممارسة لما تعلمته, و اكتساب مهارات جديدة من شأنها أن تعزز قدراتك و مهاراتك العملية.
كما أن بيئة العمل تختلف اختلافاً كبيراً عن بيئة الدراسة و لهذا يواجه الكثير من المتخرجين صعوبة في القدرة على الاندماج مع أول وظيفة بعد التخرج و التعاطي معها.
إضافة إلى كل ذلك, فإن الإلتحاق بجامعة أو معهد أسهل بكثير من الإلتحاق بوظيفة ما حيث أن أقصى متطلبات الإلتحاق بجامعة أو معهد هي شهادة ثانوية بمعدل مسموح به, أما الإلتحاق بوظيفة ما يحتاج إلى جانب شهادة البكالوريوس أو الدبلوم خبرة مهنية, و قدرة على البحث عن الوظائف الشاغرة, و القدرة على تسويق الذات لدى أرباب العمل, و القدرة على التعامل مع المقابلات الوظيفية, و القدرة على صياغة سيرة ذاتية و رسالة تغطية, و القدرة على اختيار وسيلة البحث المثلى على الوظائف الشاغرة, و القدرة على الاندماج مع ثقافة المنظمة, و القدرة على صياغ رسائل البريد الإلكتروني و التقارير المرتبطة بمهامك في الوظيفة التي تشغلها إلى غير ذلك من المتطلبات, و القدرات, و المهارات سواء تلك التي تتعلق بالكفاءة أو الجوانب الفنية.
و انطلاقاً مما ذكرناه آنفا ينبثق سؤال هام يجب على كل خريج أو من يوشك على التخرج أن يسأل به نفسه و هو كيف أستعد و أوطّن نفسي للحياة المهنية؟
طبيعة عمل المنظمات وقيمها
قبل الخوض في هذا القسم نحب أن ننوه إلى أن مصطلح “منظمة” يتضمن مصطلحات أخرى “كالشركات” و “المؤسسات سواء كانت ربحية أو غير ربحية”, حيث أن هناك اعتقاد سائد لدى كثير من اليمنيين و هو أن مصطلح “منظمة” هو مصطلح يطلق فقط على المؤسسات الإنسانية أو الغير ربحية. و هذا مفهوم خاطئ حيث أن مصطلح “منظمة” مصطلح عام يُطلق على كل شركة أو مؤسسة تجارية كانت أم صناعية أو إنسانية.
و بالعودة إلى موضوعنا و إلى نقطة “طبيعة عمل المنظمات و قيمها” باعتبارها أحد متطلبات فهم الحياة المهنية و الاستعداد لها, فإنا نقول أن لكل منظمة ربحية كانت أم غير بحية قيم تعتز بها و قد تختلف كل منظمة – أو على الأقل كل صناعة – في قيمها عن المنظمات أو الصناعات الأخرى. و نقصد بالصناعة هنا كل مجموعة من المنظمات التي تنتمي إلى نفس الإطار من حيث طبيعة العمل, فبالبنوك و المؤسسات المالية صناعة, و المؤسسات التعليمية صناعة, و المصانع الغذائية صناعة, و المنظمات الانسانية صناعة و هلم جرا.
و لذلك فإنك كخريج حديث التخرج أو على وشك التخرج مطالب بأن تتعرف علي قيم و طبيعة عمل المنظمات أو الصناعات التي تتماشى مع طبيعة مسارك التعليمي و التي تخطط للعمل فيها أو أنك قد بدأت بالفعل في العمل لدى إحداها.
و من جانب آخر, فإن التواصل مع زملاء العمل أيضا له أسلوب قد يختلف في طريقة التواصل مع زملاء الدراسة و بناء العلاقات معهم. فالتعامل مع زملاء العمل يجب أن ينطلق من مبدأ أن كل شخص يكمّل الآخر و أن كل أعضاء فريق العمل يعملون من أجل تحقيق أهداف المنظمة التي يجب أن تكون في الأساس جزءاً من أهدافهم. و بمعنى آخر, فإن أهدافك المهنية – سواء أكانت أهداف فردية أو أهداف فريق عمل – يجب أن تتماشى مع أهداف المنظمة التي تعمل بها و لا تتعارض معها.
و من جهة اخرى, فإن كل الطلاب في قاعة الدراسة لديهم مهام متساوية و تكاليف متساوية و التي تقوم معظمها على جهود فردية. كما أن النجاح هناك يقوم على أساس النديّة و المنافسة. أما في مكان العمل فالعلاقة بين زملاء العمل تقوم على التكامل أكثر مما تقوم على التنافس و تعتمد على العمل الجماعي و المشترك أكثر من العمل الفردي و تتطلب عصف ذهني أكثر مما تتطلب التلقي.
بالإضافة إلى ذلك, فإن أدوات مكان الدراسة لا تكون متاحة لطالب واحد دون سواه, فمثلاً استخدام المعمل إن كان متاحاً لأحد الطلاب فهو يعني بالضرورة بأنه متاح لجميع الطلاب. أما في مكان العمل فهناك أدوات متاحة لبعض فريق العمل و ليست متاحة لغيرهم, فمثلاً الرد على المكالمات الهاتفية أو البريد الإلكتروني قد يكون من صلاحية أحد أفراد فريق العمل بعينه دون سواه.
طريقة اللباس
إن طريقة اللباس في مكان العمل تختلف أيضاً عن طريقة عن طريقة اللباس في مكان الدراسة, حيث أن الأولى لابد و أن تكون أكثر رسمية. كما أنها قد تختلف من شركة إلى أخرى أو من وظيفة إلى أخرى, فمثلاً موظف الإستقبال قد تختلف هيئته و طريقة لباسه عن الموظف الميداني, أما في الجامعات أو المعاهد فطالب كلية اللغات – على سبيل المثال – ليس بالضرورة أن تكون له هيئة و طريقة لباس تختلف عن طالب المحاسبة.
التعرف على الذات
في مكان العمل أنت بحاجة إلى أن تكون أكثر قدرة على التعرف على ذاتك, و تحليل مواطن القوة و الضعف لديك, و أبن يجب أن تتفوق, و متى تحتاج إلى تدريب.
كما أنك في مكان العمل بحاجة إلى تطوير ذاتك و قدراتك باستمرار و أن تركز على الجوانب التطبيقية أكثر من الجوانب النظرية.
العلاقات
في الحياة المهنية – و بحسب المسمى الوظيفي التي تحمله – فإنك بحاجة إلى بناء علاقات قوية و مستمرة مع كل من يعملون معك في المكتب, و قد تحتاج إلى بناء علاقات خارج المكتب بما يعزز قيم الشركة و يحقق أهدافها.
المشرف
في الجامعات و المدارس قد يكون بإمكانك التحدث مع أستاذك في أي وقت لتطلب منه ملاحظات أو إيضاحات معينة, أما في مكان العمل فعليك أن تعرف الوقت المناسب للتواصل مع مديرك و طلب المساعدة منه حول موضوع ما.
الصورة الذهنية
في الحياة المهنية, أنت لا تمثل نفسك فقط بل أنك تمثل أيضاً المنظمة التي تعمل بها و مطالب بشكل كبير أن تشارك في رسم صورة ذهنية إيجابية حول المنظمة التي تنتمي إليها. كما أن آرائك الشخصية تضيق دائرتها في مكان العمل و تحلّ محلها الآراء الجمعية لجميع طاقم العمل أو تلك الآراء الفردية التي يمكن أن يستفاد منها لتطوير العمل.
الأهداف
في الحياة التعليمية, تكون أهدافك خاصة بك و تسعى لتحقيقها من أجل التطور المعرفي, أما في الحياة المهنية فأهداف المنظمة هي أهدافك أنت و يجب أن تسعى إلى تحقيقها, بل أن أهدافك الشخصية في مكان العمل يجب أن تتماهي مع الأهداف العامة للشركة.
المهارات و المعرفة
في الجامعات و المدارس, نحن نكتسب معارف أي مدخلات نظرية أكثر من التطبيقية, أما في مكان العمل فنحن مطالبون بتعزيز المعارف التي اكتسبناها في المراحل التعليمية بالمهارات التي تعزز بدورها قدراتنا التطبيقية من خلال التدريب المستمر و معالجة مواطن الضعف المتعلقة بمهاراتنا.
أي أنا في أماكن العمل مطالبون بتعزيز مهاراتنا و التركيز على الجانب التطبيقي كمكمّل للجانب المعرفي الذي أثريناه في المرحلة الدراسية.
هذه هي أهم الفروقات بين المرحلة التعليمية و المرحلية المهنية و متطلبات تمهيد الإنتقال إلى الحياة المهنية و الإندماج معها.