المسار المهني كلمة أوسع من توقعات الكثيرين، فهي لا تعني الوظيفة أو الحرفة التي يمتهنها البعض فقط، بل تعني كل ما يؤثر بالمهنة في كل مراحل الحياة ومساراتها وما يتعلق بالفرد مهنياً وشخصياً من قيم، ومهارات، واهتمامات، واحتياجات، وقدرات. إن تحديدك الدقيق لموقعك في المسار المهني سيؤثر على حياتك بطرق عديدة. لذلك، من المهم أن تتعرف على الأدوار المختلفة في الحياة.
نظرية “سوبر” عن أدوار الحياة الثمانية
أطل علينا العالم دونالد سوبر Donald Super بأحد أعظم مساهماته في تطوير مبادئ التنمية المهنية وتأكيد أهميتها على إدراك الذات الذي يمكن أن يتغير مع تجارب جديدة بمرور الوقت؛ لأن التطوير المهني عبارة عن مجموعة عمليات تستمر مدى الحياة. ويعتبر ما أحدثه “سوبر” تغييراً ملحوظاً بتحديده الأدوار المختلفة التي يقوم بها الإنسان خلال حياته، فهذه النظرية تمكّن الشخص من فهم تلك الأدوار التي يلعبها في مراحل حياته المختلفة؛ مما تساعده على أن يحيا في توازن بين العمل والحياة، وأن يحقق النجاح في كليهما. وقبل أن ننتقل لمعرفة كيفية بناء مسارك المهني، دعنا نتأكد من فهمنا لأدوار الحياة الثمانية التالية:
دورك كابن / ابنة:
يبدأ هذا الدور منذ الولادة ويستمر حتى وفاة كلا الوالدين. في حال تقدم العمر بأحد الوالدين أو كلاهما، فقد يحتاجا إلى رعاية خاصة من الأبناء؛ مما يتطلب مزيداً من الوقت والطاقة، ويلقب هذا الدور بوقت الطاقة.
دورك كطالب / طالبة:
عادة ما يبدأ هذا الدور من سن الثالثة أو الرابعة عند التحاق الطفل بالمدرسة حتى التخرج، وغالباً ما يستمر هذا الدور عند مواصلته في التعلم؛ مما يساعده في تطوير مهاراته وقدراته.
دورك كعامل “موظف“:
يبدأ مع توليه العمل ويستمر هذا الدور حتى التقاعد، ولا مانع بأن يجمع المرء بين عدة وظائف متنوعة.
دورك كزوج / زوجة:
يبدأ مع شريك / شريكة الحياة من خلال علاقة ملتزمة وأنشطة تبني اتحاداً قوياً بينهما، وتستمر العلاقة حتى انتهاء العلاقة أو وفاة أحد الشركاء.
دورك كرب / ربة بيت:
يبدأ هذا الدور عند قيام الفرد بالعيش في منزل مستقل؛ ليصبح قادراً على القيام أو الإشراف على المهام المنزلية، مثل: الطبخ، والتنظيف، والإصلاح، والتسوق، ويستمر طالما يدعم مكان عيشه.
دورك كوالد / والدة:
يبدأ هذا الدور عند قيام الوالدين بتربية الأطفال ورعايتهم مما يتطلب الكثير من الجهد، ويأخذ هذا الدور في التراجع عندما يبدأ الطفل في النضج؛ مما يؤدي إلى الاستقلال والاعتماد على الذات.
وضعك عندما لا تعمل أو ترتبط بالتزام:
هو الوقت الذي يمضيه الشخص في الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية، مثل: القراءة، ومشاهدة التلفاز، وممارسة الرياضة، والجلسات العائلية.
دورك كمواطن نشط:
يكون هذا الدور عند استغلال الوقت والطاقة في العمل لخدمة المجتمع من خلال الأنشطة التطوعية، مثل: المشاركة بإحدى الجمعيات أو المؤسسات الخيرية.
علاقة وتأثير هذه الأدوار على حياتنا المهنية
إن كل إنسان حتما يعيش أدواراً متعددة في ذات الوقت، إلا أننا قد نقضي وقتا أكبر في بعض الأدوار على حساب أدوار أخرى؛ بمعنى أنه قد يركز بعضنا كل التركيز والاجتهاد في دوره كموظف، في حين أنه يقصر على أهل بيته وعلى نفسه، فلا يمارس هواياته ولا يتحدث كثيراً مع أبنائه؛ وذلك يجعله لا يهنأ بتحقيق أهدافه حتى العملية، ولا يستشعر السعادة الحقيقية في كل الأدوار. فالنجاح لا يقتصر على دور واحد في الحياة، بل على كيفية التوازن بين تلك الأدوار.
كيف تحقق التوازن بين أدوار الحياة
لتحقيق التوازن المثالي بين الأدوار السابقة، عليك بالتالي:
يجب تحديد الأدوار التي أنت فيها الآن، ومن ثم اسأل نفسك: هل حققت فيها التوازن المطلوب؟ فإن لم تحققه، لربما عليك محاولة البحث ووضع قائمة بأسباب وأوجه عدم التوازن، ووضع حلول وبدائل للتغلب عليها أو التقليل منها.
ختاماً إن إنجازك ونجاحك في كل دور تلعبه في الحياة يعتبر مؤشراً على اختيارك المسار الصحيح لمهنتك ولحياتك؛ لأن مسارات حياتك كالجسد الواحد إذا اختل منها مسار تداعت له سائر المسارات بالضعف وعدم الاستقرار. لذلك، فليكن التوازن حليفك.