الرئيسيةتطوير مهنيمهارات الإنتباه للتفاصيل و كيفية تطويرها

تكاد لا تخلو أي وظيفة شاغرة من شرط امتلاك المتقدم لشغل الوظيفة لمهارة الإنتباه للتفاصيل “attention to details”, حيث تعد هذه المهارة من أهم المهارات التي تضمن قيام الموظف بمهامه و واجباته الوظيفية على أكمل وجه. و في هذا المقال سنتحدث عن هذه المهارة و مدى أهميتها و كيفية تطويرها.

ما هي مهارة الإنتباه إلى التفاصيل

مهارة الإنتباه إلى التفاصيل “attention to details” هي امتلاك و استغلال الموارد المعرفية لدى الشخص بما يمكنه من إنجاز مهامه الوظيفية بشكل شامل و دقيق.

أهمية مهارة الإنتباه إلى التفاصيل

يتيح لك الانتباه إلى التفاصيل إمكانية تحسين الإنتاجية في مكان العمل، وتعزيز الأداء ورفع الكفاءة. حيث تبحث الشركات المختلفة عن هذه الصفة في موظفيها الجدد نظرًا لأنها تجعلهم أكثر قدرة على إتمام المهام كما يجب، وتقلّل من نسبة الخطأ.

فيما يلي بعض الأمثلة على أهمية هذه المهارة في مجالات العمل المختلفة:

  1. المبيعات

يتمحور عالم المبيعات حول بناء العلاقات، خاصّة في معاملات الشركات (B2B). والانتباه إلى التفاصيل هو الذي تضمن لك بناء هذه العلاقات. حيث تساعدك على تذكّر أسماء أطفال عميل مهمّ مثلاً، أو أسماء موظفي شركة أخرى تجري معها تبادلات مهمّة، لبناء علاقات ناجحة معهم. و إعداد بنود العقود التجارية بشكل صحيح. و فهم لغة الجسد غير اللفظية للعملاء المحتملين (والتي تلعبُ دورًا مهمًّا في إيصال الرسالة بشكل صحيح) وبالتالي رفع المبيعات.

  • التسويق

على الرغم من أنّ أتمتة سير العمل قد يسهم في تقليل الأخطاء، غير أنّه ليس بديلاً عن قوّة الملاحظة والاهتمام بأدقّ التفاصيل. فأعمال مثل: إصلاح الأخطاء المطبعية في بريد إلكتروني رسمي. متابعة توجهات الأسواق وأحدث الأخبار بشكل يومي. المقارنة بين الكلمات الرئيسية من أجل تحسين محرّكات البحث. جميعها، والكثير غيرها يحتاج إلى عين بشرية قادرة على ملاحظة التفاصيل الدقيقة ومقارنتها، وأخذ قرارات اعتمادًا عليها.

وهنا يجدر التنويه، أنّ السبيل الأمثل لرفع الإنتاجية يتمثّل في أتمتة المهمّات الأقلّ أهمية، وتخصيص الوقت المكتسب من الأتمتة في النظر بتفصيل أكبر إلى بقية الجوانب الأكثر أهميّة.

  • الموارد البشرية

ليس هنالك ما هو أهمّ من الانتباه إلى أدق التفاصيل عند التعامل مع الآخرين. وهو ما يجعل هذه المهارة ذات أهمية كبرى لكلّ من يعمل في مجال إدارة الموارد البشرية. بدءًا من إدخال أرقام الضمان الاجتماعي بشكل صحيح في طلبات التأمين الصحي، ووصولاً إلى التأكد من أنّ كل موظف في المؤسسة قد أخذ راتبه كاملاً صحيحًا.

يحتاج موظف الموارد البشرية إلى الانتباه لكلّ تفصيل، وإلاّ فقد يعرّض الشركة للمساءلة القانونية، أو يؤدي إلى تجربة توظيف سيئة في أحسن الأحوال.

  • المحاسبة والمالية

حتى الأخطاء المالية الصغيرة قد تؤدي فيما بعد إلى مشكلات كبيرة. لذا يضمن الاهتمام بالتفاصيل الاحتفاظَ بسجلاّت مالية دقيقة، التي تضمن بدورها عمليات تدقيق صحيحة وتوقّعات مالية سليمة. وبالمثل يحتاج المحاسبون إلى الانتباه إلى أدقّ التفاصيل من أجل متابعة فواتير العُملاء. كما يستفيدون منها في الشركات العامّة من أجل تقديم معلومات دقيقة للمستثمرين.

  • القيادة

للوهلة الأولى، قد يبدو لك أنّ التركيز على الصورة الكبرى أهمّ بكثير من الانتباه للتفاصيل الدقيقة في القيادة. لكن هذا الأمر ليس صحيحًا تمامًا، فالقادة المستبعدون من تفاصيل العمليات اليومية، غالبًا ما يفقدون الكثير من فرص الابتكار والتطوير.

وتطول قائمة الأمثلة في هذا الصدد، فمهارة الانتباه للتفاصيل الدقيقة مهمّة لكلّ دور وظيفي في الشركة أيًّا كان. وهنا قد تتسائل: هل أمتلك هذه المهارة يا ترى؟ تابع القراءة لتعرف الإجابة؟

هل أنت شخص يهتمّ بالتفاصيل؟

 يقوم الأشخاص الذين يتمتّعون بمهارة الانتباه إلى التفاصيل بالعديد من التصرّفات التي لا يقوم بها أولئك الذين يفتقرون لهذه المهارة. التعرّف على اللهجات المختلفة، أو تذكّر ملامح الأشخاص ليس دليلاً قاطعًا على أنّك شخصٌ يهتمّ بالتفاصيل، فكثيرون من يستطيعون فعل ذلك. لكن السمات التالية تعدّ مؤشرًا جيّدًا على أنّك تتمتّع بهذه المهارة:

  • انتقاد الذات

غالبًا ما يركّز الأشخاص الذين يمتلكون مهارة الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة هذه المقدرة على أنفسهم. هذا الأمر ليس سيئًا بحد ذاته، لكنه قد يصبح كذلك أحيانًا. إنهم يحرصون بشكل عام على تحسين أنفسهم باستمرار. ولكن قد يتحوّل حرصهم هذا إلى تصرّف مؤذٍ في حال ازداد تركيزهم على التفاصيل التي لا يحبونها في أنفسهم، الأمر الذي قد يدمّر ثقتهم بأنفسهم.

لهذا السبب، لابدّ لمثل هؤلاء الأشخاص أن يعوّدوا أنفسهم على رؤية الجوانب الإيجابية في أنفسهم.

  •  الذكاء العاطفي

بالمثل، يمتلك أصحاب مهارة الانتباه إلى التفاصيل، القدرة على فهم مشاعر الآخرين. إنهم قادرون على التقاط الإشارات التي قد يغفل عنها الآخرون، ويسعُهم وصل النقاط معًا لفهم ما يفكّر به أحدهم أو ما يشعر به حقًا.

وهذه المقدرة ذات أهمية حقيقية في العمل، حيث أنّه وبحسب ما ورد في مقال نُشر في مجلّة هارفارد للأعمال، يُسهم الذكاء العاطفي بنسبة 90% في رفع جودة الأداء وتحقيق النجاح في سوق العمل.

  •  الحذر

الأشخاص الحذرون يفكّرون مليًا في كيفية تأثير أفعالهم على المستقبل. وتجاوز سيناريوهات “ماذا لو؟” يتطلّب منهم تفكيرًا تنظيميًا. هذا التفكير يتطلّب بدوره انتباهًا قويًا للتفاصيل الدقيقة من أجل معرفة الآثار المترتبة على سلسلة من الأفعال والنظر للصورة الكبرى.

كيف أطور مهارة الانتباه للتفاصيل الدقيقة؟

قد تجد أنّه من الصعب اكتساب مهارة الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في الوقت الذي لا تنتبه فيه إلى الكثير من الأشياء من حولك، لكن الأمر ليس مستحيلاً. كل ما تحتاجه بعض التدريب والتمرين، وفيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على اكتساب هذه المهارة بشكل أسرع:

  1. سِر مشيًا على الأقدام في الأماكن التي لم تعتد على السير فيها

حاول أن تذهب إلى عملك سيرًا على الأقدام في أحد الأيام. وإن كان بعيدًا جدًا فاذهب إلى مركز تسوّق قريب أو حديقة عامّة مجاورة. الفكرة هي أن تذهب مشيًا على الأقدام إلى مكان اعتدت الذهاب إليه بالسيارة أو الباص, وأن تبطئ المسير وتنتبه لكلّ شيء من حولك بدلاً من التفكير في وجهتك النهائية وحسب (كما يحصل معك في العادة).

سوف تندهش من التفاصيل الجديدة التي ستراها. حتى وإن كنت تسلك هذا الطريق لسنوات، سوف تنتبه هذه المرة إلى منازل جديدة لم يسبق لك رؤيتها قبلاً. ستسمع زقزقة الطيور وتشتمّ رائحة النباتات وتشعر بقدميك تلامسان الأرض. ستكون تجربة جديدة مختلفة تمامًا وستنمّي لديك مهارة الانتباه للتفاصيل الدقيقة من حولك.

  • اقرأ بانتظام

فكّر فيما سيحصل عندما تعاود قراءة كتابك المفضّل مرّة أخرى، ستبدأ بملاحظة أمور جديدة مثل: المقاطع المنذرة بما سيحصل لاحقًا. دوافع الشخصيات. جوانب في الحبكة لم تلقِ لها بالاً فيما مضى. بما أنك على دراية بمجريات القصّة، سيصبح بوسعك الآن التركيز على الأمور الدقيقة التي لم تفكر فيها خلال القراءة في المرة الأولى. وهكذا ستبدأ بالانتباه أكثر في المرات اللاحقة التي تقرأ فيها شيئًا جديدًا. ستبدأ بطرح الأسئلة على نفسك حول سبب قيام أحد الشخصيات بتصرّف معيّن، أو الدافع وراء جملة ما. وينطبق هذا الأمر على المسلسلات أو الأفلام أيضًا. فمُشاهدتها للمرة الثانية سيفتحُ عينيك على الكثير من التفاصيل التي لم تنتبه لها قبلاً.

  • خذ استراحات منتظمة

تعتبر الاستراحات القصيرة طريقة رائعة للإبطاء قليلاً، خاصّة في بيئة العمل التي قد تجبرك أحيانًا على التركيز على مهامّك فتنسى مراقبة نفسك ومشاعرك. خذ استراحة، وانتبه إلى نفسك، أفكارك، ومشاعرك…هل تشعر بالعطش؟ هل نبضات قلبك متسارعة؟ إن كانت كذلك، فهل السبب في أنّك متوتر أو قلق بشأن أمر ما؟

تطوير مهارة الانتباه للتفاصيل الدقيقة يتمحور حول إتقان فنّ الملاحظة، وليس هنالك أفضل من ملاحظة ومراقبة نفسك لتعزيز هذه المهارة.

  • ضع هاتفك المحمول جانبًا

التحديق المتواصل في شاشات الهاتف والحاسوب يشتّت الانتباه ويزيد من صعوبة التركيز. حينما تعجز عن التركيز على أمر ما، ستفشل في ملاحظة الكثير من التفاصيل التي كان يسعك رؤيتها لو كنت أكثر تركيزًا.

ليس بالإمكان بالطبع التخلّص من جميع الشاشات من حولك، لكن تستطيع بدلاً من ذلك تخصيص بعض الوقت خلال يومك دون استخدام أيّ منها.

احرص على تجنّب استخدام شاشات المحمول أو الحاسوب في الأوقات المهمة مثل: قبل الذهاب إلى عملك صباحًا, قبل خوض امتحان مهمّ, أثناء القيادة.

في مثل هذه الأوقات، احرص على إبقاء هاتفك في جيبك، وركّز بدلاً من ذلك على ما يجري من حولك.

  • مارس الألعاب الذهنية

عزّز مهارتك في الانتباه للتفاصيل من خلال ممارسة الألعاب الذهنية التي تحتاج إلى الدقة والتركيز، مثل: ألعاب اكتشاف الفوارق بين صورتين, ألعاب البحث عن الأشياء المختفية, حلّ الألغاز، وألعاب التحقيق والبحث.

6- امدح الآخرين غالبًا

ونقصد هنا مدحًا حقيقيًا صادقًا ليس فيه تملّق أو نفاق. هذا الأمر يتطلب قدرًا هائلاً من الانتباه للتفاصيل الدقيقة. لماذا؟ حسنًا فكّر في الأمر: المدح الحقيقي الصادق يعني الانتباه إلى صفة أو سمة معيّنة في شخص محدّد غالبًا ما يغفل عنها الآخرون. ألا يتطلّب ذلك اهتمامًا بالتفاصيل؟

تحدَّ نفسك وامضِ أبعد من الإطراءات السطحية مثل: “تعجبني سترتك” أو “لون شعرك”. فكّر في الصفات أو طريقة التفكير التي يمتلكها شخص معيّن والتي تحتاج إلى مهارات كبيرة في الانتباه للتفاصيل كي يدركها.

  • قسّم أهدافك الكبرى إلى أجزاء أصغر

فضلاً عن أنّ هذه الاستراتيجية ستساعدك على وضع خطّة واقعية تحقّق لك أهدافك بالفعل، فهي ستتيح لك التفكير في تفاصيل الوصول إلى هدفك الكبير من خلال مراجعة الخطوات الصغيرة التي تقودك إليه في النهاية. وهو أمر يحتاج منك إلى التركيز على الكثير من الجوانب الصغيرة، ممّا يعزّز مهاراتك في الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة.

قد يحتاج تطوير مهارة الانتباه إلى أدق التفاصيل للكثير من الوقت والجهد من طرفك، غير أنّ النتيجة النهائية تستحق العناء. فكّر في الأشخاص الذين تحترمهم وتراهم قدوة لك، إنك تفعل ذلك على الأرجح لأنهم يفكّرون في غيرهم ويهتمّون بمشاعر الآخرين وينتبهون لأدق التفاصيل حولهم. فلماذا إذن لا تكون مثلهم؟